كانت رحلة مفاجئة لم أخطّط لها ولم أرسم الطريق إليها لذلك كانت أشبه بالحلم.
“إنتِ لبنانية؟”
سؤال تعوّدت على سماعه منذ اللحظة التي وصلت فيها إلى مطار الملكة علياء في الأردن وحين أجيب ب “إيه انا لبنانية” تنهال عليَّ الترحيبات والابتسامات والملامح التعبيرية الدافئة التي تعكس محبتهم للبنان وتعاطفهم مع شعبه نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية والصحية وسوء الاوضاع السياسية وما شهده مرفأ بيروت من دمار ودخان .
لم أكن أنتبه لوجود هذا العدد الكبير من الأصدقاء الأردنيين لي إلّا حين أعلنت وجودي في هذا البلد الجميل فانهالت عليّ الدعوات والعزائم ورغبة الجميع بكشف المسافة بيني وبين حضارة وثقافة الأردن أرض العزم، ولكنني للأسف لم استطع تلبيتها جميعها.
لم أحمل هذه المرة الكثير من الحكايات الجميلة التي اتحدّث فيها عن بلدي بعد أن تحوّل من سويسرا الشرق إلى ساحات تحتضن هتافات المتعبين حينًا وحينًا آخر بكاء المواسم على احتراق الربيع في مرفأ التاريخ، ولكن لم أكن بحاجة لذلك، حيث أن كل زاوية من زوايا شوارع وأزقّة وجدران عمّان كانت تحكي عن جمال لبنان في اغنية فيروزية تمسح التعب عن وجه بيروت الذي يبقى ناصعًا مهما حاول تشويهه رماد الحقد والفتنة.
“خليها علينا إنتِ ضيفتنا”
غالبًا ما ينتظر التجار مرور سائح ما حتى يعوّض خسارات الوقت الضائع ويبيعه بسعر يزيد عن التسعيرة المحلية للبلد إلّا الشعب الأردني.
وليس مجرّد كلام لكنّني كنت مندهشة من نخوة كل مواطن أردني يخاف على صورة بلده ويحاول أن يحملها بين كفّيه جوهرة ثمينة يصقلها بانتمائه ومسؤوليته في أن يكون خير أمين عليها. أشياء ومواقف كثيرة جعلتني أضع هذا الشعب في قائمة أكثر الشعوب كرمَا وعطاءً.
ما لفت نظري أيضًا وخلال وجودي مع صديقتي الشاعرة والفنانة التشكيلية غدير حدادين التي تتقن رسم بلدها لوحة جمال ودهشة فكانت خير دليل ثقافي وسياحي ، وبينما كنا في سيارتها مرّت أمامنا سيارة عادية تنقل أحد الوزراء فقالت: إنّه وزير لكنني لم أستطع رؤيته جيّدا”
سألتها :
وكيف عرفتِ؟
أجابت :
من لوحة السيارة.
نظرت إلى الطريق باحثة عن موكب يمشي خلف معاليه وعن أيادٍ تمتد من نوافذ السيارات لتفسح الزحمة وتنفض الشعب إلى الأرصفة ولكنني لم أجد إلّا وزيرا وسائقا ينتظران فتح الطريق كمثل جميع العابرين.
لم أكن اعرف الكثير عن الأردن إلا بحرها الميّت الذي يقصده السائحون من جميع أقطار العالم، إلّا أنني لم أطلب حتى الذهاب إليه ربّما لأنني سمعت عنه الكثير وكنت بحاجة لاكتشاف الجمال الذي لم أجد من يحدّثني عنه.
الفحيص، السلط، وسط البلد، مأدبة، جبل نيبو، متحف ابو جابر، المتحف الوطني، مطعم هاشم منتجع السنديان السياحي وغيرها من الأماكن التي زرتها بكامل شغفي ولهفتي فحفرت في قلبي آيةَ حب وذكرى لا تنطفئ، خاصة مدينة السلط التي عرّفني عليها زوج الشاعرة حدادين الاستاذ داهود دبابنة فكنت أراقب لهفة يديه كلّما أشار إلى معلَمٍ من معالم المدينة التي ينتمي إليها ويقصّ عليّ الكثير من حكايا أجداده :
“أهلا ابن العم”
كلمة سمعتها مرارَا وتكرارَا من الاستاذ داهود وكأنها كلمة سر بين أبناء البلدة ذاتها و كلّما مررنا بشارع ما تغمرنا انحناءات التهليل والترحيب.
أمّا المنسف الذي تشتهر به مائدة الأردنيين فقد كان أشهى مما كنت أظن خاصة أنه كان بدعوة من الأميرة الجميلة رانيا حدادين التي رشّت عليه بهارات سحرية وقدّمته لي على طبق من المحبة والطيبة، وكذلك ايضا كانت دليلي إلى وزارة الثقافة حيث التقينا بوزيرها الدكتور علي العايد والأمين العام الأستاذ هزاع البراري وتحاورنا في الكثير من الشؤون الثقافية التي تخص البلدين متأمّلين انقضاء الأزمة متمنّين التعاون الثقافي مستقبلًا.
وفي منتصف الوسط الثقافي زرنا ملكة تتربّع على عرش الكلمة، منذ أن فتحت لنا باب زيارتها هبّ عطر الكلمة العابقة في زوايا صالونها الأدبي فتسمع حين تدخل المنزل أصواتا اختزنها الأمس في جعبة ذكرياته، تسمع تصفيقا على قصيدة اثارت دهشة الغاوين، وهمس فراشة تبوح للقناديل عن صورة شعرية ترسم ظلّها على سقف التوقعات. إنّها الأديبة والناقدة دلال عنبتاوي ومنزلها الثقافي العتيق.
اما الصديق الفنان التشكيلي وليد التميمي فكان الضحكة الجميلة على وجه المشاوير بنقائه ووفائه وطيبته و كذلك الصديق الشاعر فادي شاهين الذي فرش ورود محبته فاقتفيت عطرها نحو حقول من المعرفة وتلال مطلّة على حضارة فاخرة كمثل صديقه الذي عرّفني إليه خلال رحلتنا إلى جبل نيبو الدكتور شريف حموي والذي اسميته الموسوعة المتنقّلة.
وللدراما الأردنية مساحة مضيئة في رحلتي حيث قمنا بزيارة المنتج الاردني الاستاذ عصام الحجاوي وكان لي حوار طويل معه حيث سينشر قريبا في مجلة ناريمان الثقافية.
الشاعر والإعلامي سلطان القيسي كان بانتظارنا في مقهى الزقاق في اللويبدة حيث ارتشفنا معًا قهوة الصباح بنكهة فيروزية وحكينا عن وجع القضيّة الثقافية وعن بيروت وحكاياها وعن أحلامنا في أن تشرق المحبة في سماء السلام الصافية. وما اسعدني أن لقاءنا هذا تلاه ولادة ابنته التي أسماها أليسار تقرّبًا من ملكة قرطاج وصور.
في لقاء صباحي امتد من الحديث عن قضايا المرأة في الأدب النسوي وعن الرائدات في الرواية العربية إلى عمق القلب حيث تبادلنا ما تعلمناه من تجاربنا في مدرسة الحياة. إنها مراسلة شبكة الزهراني في الأردن إيناس فارس.
من الأماكن التي تمنّيت لو أنني أوقف تدفق الوقت على جبلها حين ارتسمت عيون لبنان في وجه مداها هي منتجع السنديان السياحي لصاحبه المهندس سامي هندية حيث استقبلتنا ابنته الاستاذة حياة وصديقتها خزيمة عكروش وقمنا بجولة على اللوحات الفنية التي جمعها والدها في معرضه والذي يضم الآلاف منها وقد شرح لنا عنها الشاب حسام سالم وأثرى حقيبتي الثقافية بالكثير من المعلومات.
وفي نهاية الجولة جلسنا على شرفة القصيدة واستمعنا للشاعر قصي النسور وتبادلنا الكثير من الأحاديث الجميلة.
لم تنتهِ الرحلة بعد، هناك الكثير من اللقاءات والحكايات التي ساتحدّث عنها بكامل تفاصيلها قريبًا.
كانت رحلة مفاجئة لم أخطّط لها ولم أرسم الطريق إليها لذلك كانت أشبه بالحلم..
“إنتِ لبنانية”
سؤال تعوّدت على سماعه منذ اللحظة التي وصلت فيها إلى مطار الملكة علياء في الأردن وحين أجيب ب “إيه انا لبنانية” تنهال عليَّ الترحيبات والابتسامات والملامح التعبيرية الدافئة التي تعكس محبتهم للبنان وتعاطفهم مع شعبه نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية والصحية وسوء الاوضاع السياسية وما شهده مرفأ بيروت من دمار ودخان .
لم أكن أنتبه لوجود هذا العدد الكبير من الأصدقاء الأردنيين لي إلّا حين أعلنت وجودي في هذا البلد الجميل فانهالت عليّ الدعوات والعزائم ورغبة الجميع بكشف المسافة بيني وبين حضارة وثقافة الأردن أرض العزم، ولكنني للأسف لم استطع تلبيتها جميعها.
لم أحمل هذه المرة الكثير من الحكايات الجميلة التي اتحدّث فيها عن بلدي بعد أن تحوّل من سويسرا الشرق إلى ساحات تحتضن هتافات المتعبين حينًا وحينًا آخر بكاء المواسم على احتراق الربيع في مرفأ التاريخ، ولكن لم أكن بحاجة لذلك، حيث أن كل زاوية من زوايا شوارع وأزقّة وجدران عمّان كانت تحكي عن جمال لبنان في اغنية فيروزية تمسح التعب عن وجه بيروت الذي يبقى ناصعًا مهما حاول تشويهه رماد الحقد والفتنة.
“خليها علينا إنتِ ضيفتنا”
غالبًا ما ينتظر التجار مرور سائح ما حتى يعوّض خسارات الوقت الضائع ويبيعه بسعر يزيد عن التسعيرة المحلية للبلد إلّا الشعب الأردني.
وليس مجرّد كلام لكنّني كنت مندهشة من نخوة كل مواطن أردني يخاف على صورة بلده ويحاول أن يحملها بين كفّيه جوهرة ثمينة يصقلها بانتمائه ومسؤوليته في أن يكون خير أمين عليها. أشياء ومواقف كثيرة جعلتني أضع هذا الشعب في قائمة أكثر الشعوب كرمَا وعطاءً.
ما لفت نظري أيضًا وخلال وجودي مع صديقتي
الناشطة السياسية الراقية رانيا حدادين، بينما كنا في سيارتها مرّت أمامنا سيارة عادية تنقل أحد الوزراء فقالت: إنّه وزير لكنني لم أستطع رؤيته جيّدا”
سألتها :
وكيف عرفتِ؟
أجابت:
من لوحة السيارة.
نظرت إلى الطريق باحثة عن موكب يمشي خلف معاليه وعن أيادٍ تمتد من نوافذ السيارات لتفسح الزحمة وتنفض الشعب إلى الأرصفة ولكنني لم أجد إلّا وزيرا وسائقا ينتظران فتح الطريق كمثل جميع العابرين.
لم أكن اعرف الكثير عن الأردن إلا بحرها الميّت الذي يقصده السائحون من جميع أقطار العالم، إلّا أنني لم أطلب حتى الذهاب إليه ربّما لأنني سمعت عنه الكثير وكنت بحاجة لاكتشاف الجمال الذي لم أجد من يحدّثني عنه.
الفحيص، السلط، وسط البلد، مأدبة، جبل نيبو، متحف ابو جابر، المتحف الوطني، مطعم هاشم منتجع السنديان السياحي وغيرها من الأماكن التي زرتها بكامل شغفي ولهفتي فحفرت في قلبي آيةَ حب وذكرى لا تنطفئ، خاصة مدينة السلط التي عرّفني عليها وعلى غيرها من الاماكن السياحية والثقافية صديقتي الشاعرة والفنانة التشكيلية غدير حدادين التي تتقن رسم بلدها لوحة جمال ودهشة فكانت خير مرشد و دليل وزوجها الاستاذ داهود دبابنة فكنت أراقب لهفة يديه كلّما أشار إلى معلَمٍ من معالم المدينة التي ينتمي إليها ويقصّ عليّ الكثير من حكايا أجداده :
“أهلا ابن العم”
كلمة سمعتها مرارَا وتكرارَا من الاستاذ داهود دبابنة وكأنها كلمة سر بين أبناء البلدة ذاتها و كلّما مررنا بشارع ما تغمرنا انحناءات التهليل والترحيب.
أمّا المنسف الذي تشتهر به مائدة الأردنيين فقد كان أشهى مما كنت أظن خاصة أنه كان بدعوة من الأميرة الجميلة رانيا حدادين التي رشّت عليه بهارات سحرية وقدّمته لي على طبق من المحبة والطيبة، وكذلك ايضا كانت دليلي إلى وزارة الثقافة حيث التقينا بوزيرها الدكتور علي العايد والأمين العام الأستاذ هزار البراري وتحاورنا في الكثير من الشؤون الثقافية التي تخص البلدين متأمّلين انقضاء الأزمة متمنّين التعاون الثقافي مستقبلًا.
وفي منتصف الوسط الثقافي زرنا ملكة تتربّع على عرش الكلمة، منذ أن فتحت لنا باب زيارتها هبّ عطر الكلمة العابقة في زوايا صالونها الأدبي فتسمع حين تدخل المنزل أصواتا اختزنها الأمس في جعبة ذكرياته، تسمع تصفيقا على قصيدة اثارت دهشة الغاوين، وهمس فراشة تبوح للقناديل عن صورة شعرية ترسم ظلّها على سقف التوقعات. إنّها الأديبة والناقدة دلال عنبتاوي ومنزلها الثقافي العتيق.
اما الصديق الفنان التشكيلي وليد التميمي فكان الضحكة الجميلة على وجه المشاوير بنقائه ووفائه وطيبته و كذلك الصديق الشاعر فادي شاهين الذي فرش ورود محبته فاقتفيت عطرها نحو حقول من المعرفة وتلال مطلّة على حضارة فاخرة كمثل صديقه الذي عرّفني إليه خلال رحلتنا إلى جبل نيبو الدكتور شريف حموي والذي اسميته الموسوعة المتنقّلة.
وللدراما الأردنية مساحة مضيئة في رحلتي حيث قمنا بزيارة المنتج الاردني الاستاذ عصام الحجاوي وكان لي حوار طويل معه حيث سينشر قريبا في مجلة ناريمان الثقافية.
الشاعر والإعلامي سلطان القيسي كان بانتظارنا في مقهى الزقاق في اللويبدة حيث ارتشفنا معًا قهوة الصباح بنكهة فيروزية وحكينا عن وجع القضيّة الثقافية وعن بيروت وحكاياها وعن أحلامنا في أن تشرق المحبة في سماء السلام الصافية. وما اسعدني أن لقاءنا هذا تلاه ولادة ابنته التي أسماها أليسار تقرّبًا من ملكة قرطاج وصور.
في لقاء صباحي امتد من الحديث عن قضايا المرأة في الأدب النسوي وعن الرائدات في الرواية العربية إلى عمق القلب حيث تبادلنا ما تعلمناه من تجاربنا في مدرسة الحياة. إنها مراسلة شبكة الزهراني في الأردن إيناس فارس.
من الأماكن التي تمنّيت لو أنني أوقف تدفق الوقت على جبلها حين ارتسمت عيون لبنان في وجه مداها هي منتجع السنديان السياحي لصاحبه المهندس سامي هندية حيث استقبلتنا ابنته الاستاذة حياة وصديقتها خزيمة عكروش وقمنا بجولة على اللوحات الفنية التي جمعها والدها في معرضه والذي يضم الآلاف منها وقد شرح لنا عنها الشاب حسام سالم وأثرى حقيبتي الثقافية بالكثير من المعلومات.
وفي نهاية الجولة جلسنا على شرفة القصيدة واستمعنا للشاعر قصي النسور وتبادلنا الكثير من الأحاديث الجميلة.
لم تنتهِ الرحلة بعد، هناك الكثير من اللقاءات والحكايات التي ساتحدّث عنها بكامل تفاصيلها قريبًا.
كانت رحلة مفاجئة لم أخطّط لها ولم أرسم الطريق إليها لذلك كانت أشبه بالحلم..
“إنتِ لبنانية”
سؤال تعوّدت على سماعه منذ اللحظة التي وصلت فيها إلى مطار الملكة علياء في الأردن وحين أجيب ب “إيه انا لبنانية” تنهال عليَّ الترحيبات والابتسامات والملامح التعبيرية الدافئة التي تعكس محبتهم للبنان وتعاطفهم مع شعبه نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية والصحية وسوء الاوضاع السياسية وما شهده مرفأ بيروت من دمار ودخان .
لم أكن أنتبه لوجود هذا العدد الكبير من الأصدقاء الأردنيين لي إلّا حين أعلنت وجودي في هذا البلد الجميل فانهالت عليّ الدعوات والعزائم ورغبة الجميع بكشف المسافة بيني وبين حضارة وثقافة الأردن أرض العزم، ولكنني للأسف لم استطع تلبيتها جميعها.
لم أحمل هذه المرة الكثير من الحكايات الجميلة التي اتحدّث فيها عن بلدي بعد أن تحوّل من سويسرا الشرق إلى ساحات تحتضن هتافات المتعبين حينًا وحينًا آخر بكاء المواسم على احتراق الربيع في مرفأ التاريخ، ولكن لم أكن بحاجة لذلك، حيث أن كل زاوية من زوايا شوارع وأزقّة وجدران عمّان كانت تحكي عن جمال لبنان في اغنية فيروزية تمسح التعب عن وجه بيروت الذي يبقى ناصعًا مهما حاول تشويهه رماد الحقد والفتنة.
“خليها علينا إنتِ ضيفتنا”
غالبًا ما ينتظر التجار مرور سائح ما حتى يعوّض خسارات الوقت الضائع ويبيعه بسعر يزيد عن التسعيرة المحلية للبلد إلّا الشعب الأردني.
وليس مجرّد كلام لكنّني كنت مندهشة من نخوة كل مواطن أردني يخاف على صورة بلده ويحاول أن يحملها بين كفّيه جوهرة ثمينة يصقلها بانتمائه ومسؤوليته في أن يكون خير أمين عليها. أشياء ومواقف كثيرة جعلتني أضع هذا الشعب في قائمة أكثر الشعوب كرمَا وعطاءً.
ما لفت نظري أيضًا وخلال وجودي مع صديقتي
الناشطة السياسية الراقية رانيا حدادين، بينما كنا في سيارتها مرّت أمامنا سيارة عادية تنقل أحد الوزراء فقالت: إنّه وزير لكنني لم أستطع رؤيته جيّدا”
سألتها :
وكيف عرفتِ؟
أجابت:
من لوحة السيارة.
نظرت إلى الطريق باحثة عن موكب يمشي خلف معاليه وعن أيادٍ تمتد من نوافذ السيارات لتفسح الزحمة وتنفض الشعب إلى الأرصفة ولكنني لم أجد إلّا وزيرا وسائقا ينتظران فتح الطريق كمثل جميع العابرين.
لم أكن اعرف الكثير عن الأردن إلا بحرها الميّت الذي يقصده السائحون من جميع أقطار العالم، إلّا أنني لم أطلب حتى الذهاب إليه ربّما لأنني سمعت عنه الكثير وكنت بحاجة لاكتشاف الجمال الذي لم أجد من يحدّثني عنه.
الفحيص، السلط، وسط البلد، مأدبة، جبل نيبو، متحف ابو جابر، المتحف الوطني، مطعم هاشم منتجع السنديان السياحي وغيرها من الأماكن التي زرتها بكامل شغفي ولهفتي فحفرت في قلبي آيةَ حب وذكرى لا تنطفئ، خاصة مدينة السلط التي عرّفني عليها وعلى غيرها من الاماكن السياحية والثقافية صديقتي الشاعرة والفنانة التشكيلية غدير حدادين التي تتقن رسم بلدها لوحة جمال ودهشة فكانت خير مرشد و دليل وزوجها الاستاذ داهود دبابنة فكنت أراقب لهفة يديه كلّما أشار إلى معلَمٍ من معالم المدينة التي ينتمي إليها ويقصّ عليّ الكثير من حكايا أجداده :
“أهلا ابن العم”
كلمة سمعتها مرارَا وتكرارَا من الاستاذ داهود دبابنة وكأنها كلمة سر بين أبناء البلدة ذاتها و كلّما مررنا بشارع ما تغمرنا انحناءات التهليل والترحيب.
أمّا المنسف الذي تشتهر به مائدة الأردنيين فقد كان أشهى مما كنت أظن خاصة أنه كان بدعوة من الأميرة الجميلة رانيا حدادين التي رشّت عليه بهارات سحرية وقدّمته لي على طبق من المحبة والطيبة، وكذلك ايضا كانت دليلي إلى وزارة الثقافة حيث التقينا بوزيرها الدكتور علي العايد والأمين العام الأستاذ هزار البراري وتحاورنا في الكثير من الشؤون الثقافية التي تخص البلدين متأمّلين انقضاء الأزمة متمنّين التعاون الثقافي مستقبلًا.
وفي منتصف الوسط الثقافي زرنا ملكة تتربّع على عرش الكلمة، منذ أن فتحت لنا باب زيارتها هبّ عطر الكلمة العابقة في زوايا صالونها الأدبي فتسمع حين تدخل المنزل أصواتا اختزنها الأمس في جعبة ذكرياته، تسمع تصفيقا على قصيدة اثارت دهشة الغاوين، وهمس فراشة تبوح للقناديل عن صورة شعرية ترسم ظلّها على سقف التوقعات. إنّها الأديبة والناقدة دلال عنبتاوي ومنزلها الثقافي العتيق.
اما الصديق الفنان التشكيلي وليد التميمي فكان الضحكة الجميلة على وجه المشاوير بنقائه ووفائه وطيبته و كذلك الصديق الشاعر فادي شاهين الذي فرش ورود محبته فاقتفيت عطرها نحو حقول من المعرفة وتلال مطلّة على حضارة فاخرة كمثل صديقه الذي عرّفني إليه خلال رحلتنا إلى جبل نيبو الدكتور شريف حموي والذي اسميته الموسوعة المتنقّلة.
وللدراما الأردنية مساحة مضيئة في رحلتي حيث قمنا بزيارة المنتج الاردني الاستاذ عصام الحجاوي وكان لي حوار طويل معه حيث سينشر قريبا في مجلة ناريمان الثقافية.
الشاعر والإعلامي سلطان القيسي كان بانتظارنا في مقهى الزقاق في اللويبدة حيث ارتشفنا معًا قهوة الصباح بنكهة فيروزية وحكينا عن وجع القضيّة الثقافية وعن بيروت وحكاياها وعن أحلامنا في أن تشرق المحبة في سماء السلام الصافية. وما اسعدني أن لقاءنا هذا تلاه ولادة ابنته التي أسماها أليسار تقرّبًا من ملكة قرطاج وصور.
في لقاء صباحي امتد من الحديث عن قضايا المرأة في الأدب النسوي وعن الرائدات في الرواية العربية إلى عمق القلب حيث تبادلنا ما تعلمناه من تجاربنا في مدرسة الحياة. إنها مراسلة شبكة الزهراني في الأردن إيناس فارس.
من الأماكن التي تمنّيت لو أنني أوقف تدفق الوقت على جبلها حين ارتسمت عيون لبنان في وجه مداها هي منتجع السنديان السياحي لصاحبه المهندس سامي هندية حيث استقبلتنا ابنته الاستاذة حياة وصديقتها خزيمة عكروش وقمنا بجولة على اللوحات الفنية التي جمعها والدها في معرضه والذي يضم الآلاف منها وقد شرح لنا عنها الشاب حسام سالم وأثرى حقيبتي الثقافية بالكثير من المعلومات.
وفي نهاية الجولة جلسنا على شرفة القصيدة واستمعنا للشاعر قصي النسور وتبادلنا الكثير من الأحاديث الجميلة.
لم تنتهِ الرحلة بعد، هناك الكثير من اللقاءات والحكايات التي ساتحدّث عنها بكامل تفاصيلها قريبًا.