خلال زيارتي إلى الأردن والتعرف إلى ثقافاتها العالية، كان لا بدّ لي من أن ألتقي بمن يحمل تلك الثقافة رسالة سامية ومضيئة ليبثها من خلال قلبه وإخلاصه ووفائه للفن وللدراما التيلفزيونية الأردنية إلى الوطن العربي كلّه.
كان حوارا صادقا وعفويًّا ولقاءًا ارّخ اللحظات على صفحات مجلة ناريمان وقد شاركنا هذا اللقاء الجميل الشاعرة والفنانة التشكيلية غدير حدادين والفنان التشكيلي وليد التميمي اللذين أضافا بحضورهما نكهة محبة وجمال.
– المنتج الأردني المبدع عصام الحجاوي، على الرغم من الازمة التي تشهدها مجتمعات الدول العربية وخاصة على صعيد الفن والدراما إلا أنه لا شيء أبدًا يمكنه أن يوقف عطاءك ونجاحك. من أين تستمد كلّ هذه القوّة؟
أجاب مازحًا:
“منّك”
ضحكنا ثمّ أكمل:
العمل بالنسبة إلي هو أوكسيجين الحياة. أحب عملي كثيرَا وأعطيه بكل ما لديّ من شغف وحب. ببساطة هذا هو سرّ النجاح دائمًا.
-يقولون إنّ وراء كل رجل عظيم امرأة. من هي المرأة التي تدفعك إلى النجاح؟
أجاب ضاحكًا:
أعتقد انَ المرأة ألغت دور الرجل حتى صار هو من يبحث عن حقوقه الضائعة.
ثم استعاد جدّيته في الحديث وتابع:
بالتأكيد للمرأة دور أساسي في حياة كل رجل.
-هل هناك من يدعم الدراما في هذه الظروف الصعبة؟
للأسف سبب انهيار الدراما الأردنية هو عدم وجود حكومة أردنية داعمة للدراما منذ أزمة الخليج حتى الآن كل ما يحصل هو مجرّد “فزعات” حتى أن الفنانين اعتادوا على هذا الإهمال وبالتالي الرضوخ وعدم المطالبة الجديّة بالدعم.
وقد كان لي العديد من اللقاءات مع وزيري الإعلام، السابق والحالي، حول حاجتنا الفعلية لوجود شركة إنتاج تدعم الإنتاج الخاص وتضخّ كمّ من الانتاج التليفزيوني الدرامي في الوطن العربي حتى يزيد الإقبال على الدراما العصرية وذلك لأن الإنتاج الخاص عاجز عن إنتاج هذا النوع من الدراما بشكل فردي لأنها غير مجدية ماديّا وذلك بسبب عدم اعتياد الجمهور العربي على متابعتها بسبب ميوله لمشاهدة الدراما البدوية التي تميّزت فيها الأردن بينما عجزت الدول العربية الأخرى عن منافستها.
الفن الأردني قادر على القيام بجميع ألوان الدراما وكلّ ما يحتاجه هو الدعم المادي فقط.
-يتّهمونك دائما أنك تختار فقط الممثلات الجميلات. هل هذا صحيح؟
طبعًا. ولكن في النهاية الدور يحتاج إلى كفاءة الممثل أيضًا. هناك الكثير ممّن يتابعون العمل لأجل جمال الممثلة وجاذبيتها، حتى المرأة تحب الممثل الوسيم. الجمال مطلوب للممثل أكان امرأة أم رجلاً.
-هل يتغلّب الجمال على الأداء؟
بالطبع لا. في النهاية البقاء للأفضل. فالممثل الذي لا يمتلك الموهبة مهما كان جميلًا لن يستمر أكثر من سنة أو سنتين ومن ثمّ يأتي من يسرق منه البريق، أما الموهبة فتبقى حتى الممات. الموهبة والجمال معًا يصقلان العمل وينجحانه. وفي النهاية كل دور يحتاج إلى الممثل المناسب له وتختلف المواصفات والمعايير بين دور وآخر.
-ما هي المعايير التي تختار على أساسها العمل وهل يجب أن يحاكي الواقع دائمًا؟
ليس هناك عملَا لا يحاكي الواقع، أكان بشكل مباشر أو غير مباشر. لأن جميع المواضيع التي تُطرح قديمًا، حديثًا أم مستقبلًا هي من وحي الواقع لكنها تختلف فقط من حيث الأسلوب والشكل وطريقة المعالجة. جميع المواضيع المطروحة في الدراما التليفزيونية هي وليدة الحياة التي نعيشها وأحداث مستوحاة من صميمها.
-هل دخلت كورونا على واقع الدراما أيضًا؟
معظم المنتجين والكتاب والمخرجين استثمروا موضوع “كورونا” في أعمالهم بشكل واضح وأساسي، أما بالنسبة إلي فقد استثمرتها في المسلسل الكوميدي “بلاقي عندك شغل” وكان هناك حلقة كاملة منه لها علاقة بالكورونا.
هذا العام كان بالنسبة إلينا تحدٍّيا كبيرًا حيث أردنا أن نثبت للمواطن العربي جدارتنا في جميع ألوان الدراما، فأنتجنا هذا العام أربعة أعمال متنوعة ما بين البدوي، الريفي، الكوميدي والإجتماعي.
-هل هناك من عوّض غياب الفنان ياسر المصري عن الدراما بعد رحيله؟
في الحقيقة لا أعلم كيف أجيبك عن هذا السؤال.
أجاب بعد تنهيدة حزينة ثم أكمل :
كانت تربطني بياسر علاقة صداقة بالاضافة إلى العلاقة المهنية. كان رحيله خاطفًا وموجعًا.
كان يمتلك موهبة عالية جدًّا وإنسانًا رائعًا.
كما كان الوحيد الذي لا نقبل اعتذاره عن أي عمل فنصرّ ونلحّ عليه حتى يوافق، على الرغم من أننا لا نقوم بهذا الإصرار والإلحاح مع غيره من الفنانين، فقد كان قيمة مضافة لا يمكن التنازل عنها بسهولة، و يمتلك الطاقة الإيجابية الكافية لإنجاح أي عمل بالإضافة إلى أنه إنسان خلوق ومهذب ومحبوب من الجميع كما كان متواضعًا على الرغم من نجوميته الساطعة في سماء الفن. لم يكُن متطلّبا أبدا.
كنت أحب العمل معه كثيرًا وفي الحقيقة لقد ترك خلفه فراغاً شاسعًا ويمكنني أن أقول : حتى الآن لا أحد يستطيع أن يملأ هذا الفراغ ويعوّض غياب ياسر المصري ،خاصة في الأعمال البدوية التي نجح وتميّز فيها على مستوى العالم العربي كلّه.
-هل تؤمن بالمواهب الجديدة من الشباب وتفسح لهم الفرصة لتقديم وإثبات جدارتهم؟
أؤمن بهم إيمانًا كاملا وأسعى إلى منح الفرص لهم لأن ذلك ضروري حتى تتجدد الدماء دائمًا في شرايين الفن و يتطور ويزدهر وأعطيكِ مثالًا ست الكل الفنانة عبير عيسى حيث لا يمكنك أن تعطيها دور فتاة بعمر صغير وهي ايضًا ترفض ذلك وقد سبق ورفضت القيام بدور فتاة تبلغ من العمر خمسة وعشرين سنة في الوقت الذي تقبل به باقي الفنانات ويحاولن تصغير عمرهن خلال أداء الدور. العمل دائما يحتاج إلى جميع الأعمار من الطفولة حتى الشيخوخة لذلك منح الفرص للشباب يعتبر أمرًا واعيا وحكيمَا ومهمّا.
-ماذا عن دمج الجنسيات في الدراما وهل ذلك يضيف إلى العمل ؟
– تاريخيا تعتبر الدراما الأردنية دراما عربية مشتركة ودائما أبوابها مفتوحة لجميع الجنسيات وقد كان لنا العديد من التجارب الناجحة مثلا العام الماضي، مسلسل العقاب والعفرا حصل على المرتبة الأولى في الوطن العربي وكان من بطولة عبد المحسن نمر من السعودية ونسرين طافش من سوريا، وايضا مسلسل نوف، بطولة ميس حمدان من مصر، و “شيء من الماضي” كان مع حبيب غلوم من الإمارات وهيفاء حسين من البحرين
-ومن لبنان؟
في الحقيقة لقد حاولت كثيرًا مع الفنانة نادين نجيم في أن تكون بطلة لمسلسل بدوي لكنها لم تعجب بالفكرة، وحتى الآن ما زال العرض جاريًا، وحين تقول نعم سأبدأ بتنفيذ العمل فورًا. أنا من عشّاق” الست” نادين نجيم، هي ممثلة فذة ونجمة بكل معنى الكلمة، جمالًا وأداءً وثقافة وحضورا، ولديها ملامح الشخصية البدوية وهذا عامل أساسي أيضا في اختياري لها. كما حاولت أيضا مع السيدة نيكول سابا لتكون معنا في أكثر من تجربة لكن لم يكُن لنا نصيب في ذلك نتيجة ظروف الكورونا وان شاء الله سنلتقي بعد عبور هذه الظروف، كما أنه هناك محاولات لقاء مع الفنانة دانييلا رحمة وهناك مشروع مسلسل أردني لبناني قادم سيتم تصويره في الأردن ولبنان. وقد سبق وتعاونت مع ال ام بي سي في مسلسل
بعنوان (رعود المزن ) المستوحى من رائعة شكسبير روميو وجولييت ، بطولة ياسر المصري وكنا قد اخترنا الممثلة يارا للقيام بدور البطولة واتفقنا مع مدير أعمالها الاستاذ طارق بو جودة ولكن الاتفاق لم يكتمل بسبب تراجعها عنه فتحوّل الاختيار الى الممثلة السعودية ريم العبدالله. هناك العديد من المسلسلات التي كنا ننوي تنفيذها كاملة في لبنان وان شاء الله سيتم هذا المخطط. كما أننا قمنا بوضع خطّة للعام المقبل بأن يكون هناك مسلسل أردني إماراتي وأردني سعودي وأردني سوري.
-ما هو السر وراء هدوئك الزائد؟ هادئ دائما في ردودك على الانتقادات.
أجاب مازحًا:
هذا الهدوء فخ ومن ثم تظهر الشخصية الحقيقة بعد ذلك. لديّ من العصبية بحجم هذا الهدوء الذي ترينه، لكن الخبرة والنضوج في التعاطي مع المواقف يجعلنا نتعامل مع الأمور بهدوء أكثر.سبق وتكّلم عن هدوئي هذا المرحوم الأديب جمال ناجي في قصيدة تحدّث فيها عني خلال حفل تكريمي.
أؤمن إيمانا تامّا أن الإنسان الذكي هو القادر على حلّ المشكلات بينما الإنسان الحكيم هو الذي يتجنبها. وأنا ممّن يتجنبون المشاكل. الإنسان الحكيم هو الذي يعرف كيف يحسن الاختيار دائما، اختيار أين وكيف ومع من يكون بهدوء وحكمة. خاصة في المجال الذي نعمل فيه والذي يمتلئ بالصخب والضجيج والتوتر والضغوطات والجهد الفكري لذلك ترونني شخصية مختلفة جدا أثناء العمل. شخصية صارمة وملتزمة ولا أقبل بالغلط أبدًا. الإلتزام بالوقت يعكس أخلاق الممثل وبالنسبة إليّ الأخلاق أهم من الموهبة
على الممثلين أن لا يحضروا معهم إلى مكان التصوير إلا طاقاتهم الإيجابية كي لا يتحول إلى جحيم.
-ما هي الرسالة التي توجهها عبر مجلة ناريمان
الفن رسالة إنسانية سامية ولكن للأسف فقد أصبحت فارغة من مضمونها. تمنياتي أن يعود إلى أهدافه الأساسية وأن يكون بناء في المجتمع وفي محاربة الشر بجميع أشكاله في الاقتصاد والسياسة والحب…
وأن يعود الفنان إلى نقائه وضميره وأن يكون جنديّا مخلصًا لهذه الرسالة وأن لا يكون مجرّدا من المبادئ والقيم.
ناريمان علوش