بينما كنت أملأ فراغ الوحدة بضجيج العابرين، وآتخطى مسافة الوقت مشيًا على قدمي صمتي في إحدى المجمعات التجارية ، فجأة أمسكت يدي طفلة صغيرة تبلغ من العمر سبع سنوات، نظرتُ إليها فابتسَمَت وقالت :
“خذيني إلى والدي لقد أضعته”.
أدهشني هدوؤها وإحساسها بالطمأنينة وسألت نفسي لماذا اختارتني من بين آلاف العابرين والمارّة، شعرت برغبة في أن أسألها ذلك لكنني لم أشأ مقاطعة ثقتها ومشينا معًا نتبادل الأحاديث والابتسامات، تارة نمشي وتارة نركض وتارة تخبرني عن والدها وتصف لي شكله ومن ثم تقول:
” طلب مني أن أنتظره قليلا ريثما يعود لكنني وجدت نفسي تائهة
لم أكن بحاجة لأن أطمئنها أننا سنجده، فدورانها كالفراشة حولي جعلني أشعر أنني من يحتاج إلى ذلك بعد أن تهتُ في ممرات السفر الطويل.
وصلنا إلى قسم خدمة الزبائن فاعلمتهم أنني وجدت هذه الفتاة تبحث عن والدها وطلبت منهم إعطاء إشعار بذلك، فأخبرني الموظف بعد أن أجرى اتصالاته أن والدها سيأتي لأخذها فورا.
وبينما كنا ننتظر شدتني نزولا إلى مستوى ثغرها الصغير المبتسم وهمست بصوت هادئ :
“لمحت أبي قادمًا صوبنا”
أومأت لها بإغماض عينيّ ومن ثم مددت يدي لأرفع خصلات شعرها الصغيرة عن جبينها فإذا بوالدها يركض إلينا ليحملها ويغمرها بقوّة وكأنه يراها بعد مرور سنين طويلة.
كانت تلف يديها بقوة حول رقبته وتنظر إلي دون أن تنطق بأي كلمة وتبتسم، حتى غابت خلف الضجيج والزحام. اما أنا فأكملت طريقي بحثًا عن معانٍ لم تنتشِ بها الكلمات بعد.