أنور المشيري: أنا نرجسي في كل ما يمسّ الشِّعر

في مرآة روحه، تتأنّق المعاني وترتدي أبهى أوزانها لتليق بنرجسية شاعر.  يقطع المسافات الطويلة من أجل اللقاء بحوريات قصيدته، وتكفيه ابتسامة من والده لتزهر مخيّلته بأجمل ألوان الحب. ومهما غاب عن الأضواء، تبقى قصيدته متألقة على مسرح الأغاني لتتحدّث وبكل اعتزار عن الشاعر الإماراتي ” أنور المشيري”.

لمجلة ناريمان الثقافية كان لناريمان علّوش هذا اللقاء معه:

قبل أن ادخل في صلب القصيدة سأقف عند ما يطرق قلب المستمع أو المشاهد عند الالتفاتة الأولى إليك… الصوت، الإلقاء والكاريزما. ما أهمية هذه الخلطة برأيك في إنجاح الشاعر؟

بالتأكيد هذه الخلطة مهمة جدًّا في تكوين (الكاراكتر) أو شخصية الشاعر وإبراز الكلمة، فهناك الكثير من القصائد الجميلة التي يظلمها الإلقاء، إلا أن المستمع العادي وغير المتذوّق لا يمكنه التفريق والتمييز. وحدهم المتذوقون قادرون على تقييمها. فالإلقاء  قادر على رفع  القصيدة وعلى إسقاطها أيضًا. وقد لاحظت
مؤخّرًا أن الناس ينجذبون إلى أسلوبي في إلقاء القصائد، إلا أنني لست من الذين يكثرون من النشر والإلقاء، فإذا قارننا بين عدد الأعمال التي كتبتها للفنانين وبين عدد القصائد التي ألقيتها فأنا لا أبالغ إذا قلت إنها تقريبًا حوالي 10٪ من مجمل أعمالي.

-لديك ما يفوق الخمسمائة قصيدة؟

لا بل أكثر بكثير. فأنا لم أحاول إحصاءها يومًا ولا أعلم كم تبلغ إلّا أنها كثيرة جدًّا جدا.

– هذه الغزارة في الكتابة تحتاج إلى ما يحفز مخيّلتك لتستلهم الصورة والفكرة. ما هو مصدر إلهامك؟

بالنسبة إليّ، الراحة النفسية هي أكثر ما أحتاجه حين أكتب، حتى أثناء كتابة القصيدة الحزينة. ففي  لحظات الحزن أعجز عن الكتابة والتعبير إلّا أنني أخبئ الإحساس إلى حين ينتهي حزني وأستعيد راحة البال، كما يمكن أن أرى موقفًا معيّنا تلتقطه حواسي ومشاعري ومن ثمّ أكتب عنه في وقت لاحق. ففي النهاية كل تلك الصور هي مخزون في ذاكرة الإنسان، مخزون من التجارب والذكريات والمواقف والثقافة والمعرفة، هي لمعات تضيء في البال ومن ثمّ تُترجمها القصيدة. وبالنسبة إلى الوقت الأمثل لولادة كل ذلك هو الوقت الذي أكون فيه مرتاحا على الصعيد النفسي. .

-ما بين الوجع والحب ما الذي يوقد مخيّلتك أكثر؟
لا الوجع ولا الحب، بل الإحساس ذاته، وكما قلت لكِ الراحة النفسية. فأحيانًا تمرّ شهور طويلة لا استطيع فيها الكتابة فأعتذر عن أعمال كثيرة تكون مخيّلتي عاجزة عن تلبيتها، لأن مزاجي يكون سيئًا وداخلي مليئا بالأحاسيس التي أحتاج إلى كتابتها ولكن لا أستطيع، وبخاصة في الفترة الأخيرة، حيث كتبت معظم أعمالي كمحترف اي ما يُطلب مني لا أكثر، ونادرًا ما أكتب أحاسيسي التي أشعر بها وما أريد أن اكتبه أنا.

– وهل تستطيع كتابة ما يخالف مشاعرك؟

إحساسي ممكن أن يتشكّل إلى حدّ ومدى معيّن ولكن هناك بعض المبادئ التي تحدّ من نموّ تلك المشاعر، فمثلًا منذ مدّة طُلب مني كتابة قصيدة لشخصية لا أحبّها وغير مقتنع بها وبإنجازاتها، كما لديّ الكثير من علامات الإستفهام حولها فرفضت القيام بذلك. بالرغم من أنها كانت مقابل مبلغ مادّي معيّن إلّا أنني رفضت ولم أكتب القصيدة.

– نعم وهذا ما يفسّر تفجّر إبداعك في قصيدة “دبي كوكب آخر” فمشاعرك الصادقة تجاهها أضافت لها الجمال فلمعت وحققت كلّ هذا النجاح… هل تعتبر ان هذه القصيدة تربّعت على عرش أعمالك؟

هذه القصيدة هي فعلًا لوحة إبداعيّة، ومهما بالغت مخيّلتي في وصف دبي تبقى المبالغة منطقيّة. فدبي كوكب آخر.

– كتبت للكثير من الفنانين، من هو الفنان الذي تعتبره رفيق نجاحك؟
في الحقيقة هم كُثر ولا أريد أن أظلم أحدًا، فقد حققت مع الكثير من الفنانين نجاحات جميلة، من بينهم ماجد المهندس، عبد المجيد عبدالله، راشد الماجد، أصالة  وأيضًا أصيل هميم في ثلاثة أعمال متتالية آخرها “يشبهك قلبي” وحسين الجسمي، هذه الأسماء التي خطرت على بالي الآن من بين العدد الكبير الذي تعاملت معه من الخليج إلى الوطن العربي كلّه.

من صعوبات الشعر النبطي أنّه على الشاعر دائمًا أن يستخدم مصطلحات جديدة غير مستخدمة من قبل ليميّز بها قصيدته، كيف تبتكر تلك المصطلحات وكيف تميّز قصيدتك؟

أنا من الشعراء المقلّين في الكتابة وأبحث دائمًا عن النوعية لا الكميّة، فأنا انتقائي جدًّا ومن الصعب جدًّا إرضاء ذوقي، وإذا رأيتِ المكان الذي يشهد على ولادة قصيدتي ستجدين الكثير من الأوراق والأفكار الممزقة  تملأ المكان، وربّما أكون قد مزّقت فكرة جميلة، وذلك بسبب المسؤولية التي أشعر بها تجاه جمهوري والخوف من أن اقدّم ما يقلّ عن قيمة أعمالي السابقة وما لا يليق باسمي، ممّا يدفعني للتعمّق أكثر فأكثر لأقدّم ما يبهر المتلقّي او على الأقل ما يفوق العادي.

-هل تستمع لشعراء من دول عربية أخرى ؟
بالتأكيد، فالاستماع إلى شعراء آخرين يطوّر القصيدة، الآن لم أعد أقرأ كثيرًا كما كنت أفعل من قبل وذلك بسبب ضيق الوقت، إلا أن القراءة واجبة، فنحن جميعنا كأدباء وشعراء ومفكّرين وفي اي مجال إبداعي نكمّل بعضنا البعض، فأنور المشيري كبر على قصائد بدر بن عبد المحسن، ونزار قباني والشافعي والمتنبي وعبد الرحمن بن مساعد، محمد بن راشد آل مكتوم.. فأنا خلطة من كل هؤلاء، وهكذا كوّنت شخصيتي.

– هل تفضل قراءة القصيدة أم سماعها؟
أفضل سماعها لأن القراءة تحتاج إلى وقت أكثر، كما أنّ سماعها أقرب إلى الأذن والروح. وكما قلتِ من قبل حين اقرأ لكِ قصيدة يختلف وقعها عليكِ أليس كذلك؟

– بالتأكيد وسأطلب منك قصيدة بعد قليل.
أنت مقلّ بالظهور الإعلامي وتفضّل أن تترك المجال لأعمالك كي تتحدّث عنك، برأيك كيف للإعلام أن يسيء لأعمال الشاعر أو أن يأخذ الضوء منها؟

إن ما يهمني، وجميع المقربين يعلمون ذلك، هو أن تصل أعمالي للناس دون أن اهتم لوصول إسمي معها، فلا يعني لي ذلك كثيرًا ولا أشغل نفسي بذلك الأمر حتى لا يتأثر إنتاجي.

-ما رأيك بالمشاركة في الأمسيات؟  وهل أيضا مقلّ بمشاركاتك فيها؟

في الحقيقة أنا مقلّ في كل شيء، وكثير الاشتراط اي أضع الكثير من الشروط وأنا أقول في داخلي “يا رب يرفضون عشان ما روح”،  فكما قلت لكِ حياتي مليئة بالضغوطات، وهذا الألبوم الذي بين يديك لولا أنه فُرض علي لما كنت وجدت الوقت لإصداره، فمنذ أن كان عمري 25 سنة وهم يلاحقونني بسؤال:
“متى تسوي ألبوم؟ “.
حتى استسلمت لمبادرة سمو الشيخ حمدان بن محمد، وكان الطلب من سمو الشيخ ذاته لذلك لم أقدر على الرفض.

– ولكن لماذا هذا التردد؟

لا أدري لماذا لكنني الآن صرت أكثر تساهلًا مع الأمر وبدأت بتسجيل بعض الأعمال بصوتي.

– وسط هذه الإنشغالات الكثيرة متى تجد الوقت للكتابة؟ وهل هناك طقوس معيّنة لها؟

أغلب الفترات التي أكتب فيها هي بعد العصر، وبالنسبة للطقوس فقد قلتها من قبل، إن رائحة القهوة ومنظر الدخان لهما سر في قصائدي، بالإضافة إلى الراحة النفسية كما ذكرت لكِ، ومن ثم تشتعل القصيدة.

-ما هو مصدر هذه الراحة النفسية؟ ما الذي يجعل نفسيتك ترتاح؟
هناك أشياء تفرحك دون أن تعرف ما هي، فأحيانًا تستيقظ في الصباح ودون اي سبب تشعر بالسعادة والراحة، لذلك ليس هناك سبب معين، ولكن أهم شيء أن لا يحصل ما يضايقني، وأن يكون جميع من حولي بخير وأن أرى والدي يضحك ويبتسم، فأفرح بمن حولي أكثر ممّا أفرح لنفسي، وجميع من يعرفني يعلم هذا الأمر في شخصيتي، فهذه من إيجابياتي إلّا أنه لديّ الكثير من السلبيات أيضًا.

– وما هي سلبياتك؟

متسرّع بعض الشيء وعصبي، وهذه صفات برج الحوت. أسرح أحيانًا وأبتعد في خيالي حتى أفقد تركيزي كما أنني أنسى كثيرًا.

– وهل يمكن أن تمرّ في بالك قصيدة ومن ثمّ تنساها؟
نعم كثيرًا، وأحيانًا أكتب مطلع القصيدة خلال نومي. فمثلا قصيدة “الهدايا” لراشد الماجد، كتبت المطلع بينما كنت نائمًا فاستيقظت بسرعة وسجّلتها على الهاتف ومن ثمّ أكملت النوم، وأحيانا كثيرة اتكاسل ولا أسجّلها فأنساها.

– ولكن ربّما تعود إليك مرّة أخرى بثوب مختلف. فالإحساس بها ما زال في داخلك.

نعم صحيح، الإحساس يعيش فينا نتيجة بعض المواقف التي تنطبع في ذاكرتنا وكما قلت في أغنية راشد الماجد:

سجيت مع نفسي وقبل آتنبه
قدام عيني مرت أيام عمري

– هل أُصبت بنرجسية الشعراء؟

في الشعر نعم أنا نرجسي، فحين أضع شروطا لمشاركاتي، وذلك لأعطي حق الشاعر الذي في داخلي فلا يمكنني أن أرضى له بالقليل. أما على الصعيد الشخصي فأنا جدا متواضع واجتماعي، ولكن في ما يمس الشعر، شروطي كشروط فنان يقيم حفلة وذلك لأنني أرى ذاتي الشعرية لا تقلّ عنه إبداعا وحضورًا.
ولذلك أطالب بأن يضعوا لي الإعلانات القيّمة ويضمنون الحضور وأن تقام الأمسية في مكان يليق بي، وأن اتقاضى مقابلا ماديّا ليس لحاجتي إليه وإنّما تقييما للشعر.

-من هو الفنان الذي تطمح في أن تكتب له قصيدة؟

لقد كتبت لأغلب الفنانين في الخليج والعالم العربي، ومن الفنانين الذين أتمنى أن يغنّوا من كلماتي هي شيرين، فهي لم تغنِّ بعد باللهجة الخليجية وأنا أحب صوتها لذلك اتمنى ان أكتب لها أغنية.

– بعد كل هذا النجاح الذي حققته وبعد التعامل مع كل هؤلاء الفنانين، ما هو الحلم الذي لم تحققه بعد؟

الحلم الذي أريده لن يتحقق، وهو محبّة الناس، وهي غاية لا تُدرك، ولكنني أتمناها.

– ولكنك أدركتها، فقد حصلت على محبة الناس…

نعم الحمدلله لديّ الكثير من المحبين إلا أننا لا نستطيع أن نجعل الجميع يحبّنا، وربما يكون السبب هو أنني بعيد عن الأضواء.

-هل ترد على رسائل المعجبين وتتواصل معهم؟
نوعا ما نعم أرد على الرسائل، وأنتِ تواصلتِ معي عبر الخاص من أجل إجراء هذه المقابلة وقد أجبت على رسالتك. أجيب على قدر ما أستطيع إلا أنه لا يمكنني الرد على الجميع، بالرغم من أنه ليس لدي إلا حساب إنستاغرام وسناب، فالفايسبوك سُرق منذ زمن ولم أنشئ حسابا جديدا كما أنني لا اتواجد على التويتر ولا تيكتوك. هذا العالم الافتراضي يحتاج إلى الكثير من الوقت للتواجد فيه ومتابعته، فمن أين نحصل على الوقت. هل تصدقين أنني أحيانا أسافر بحثًا عن وقت لكتابة القصيدة.

-على الرغم من غيابك عن هذه المساحات الافتراضية إلّا أن أعمالك تحدّثت عنك ووصلت إلى الناس، بينما نجد الكثير من الأعمال الرديئة التي تملأ وسائل التواصل دون أن تصل إلى الناس. ما هي أعمالك الجديدة التي تقوم بتحضيرها في هذه الفترة؟

– هناك الكثير من الأعمال منها عبد المجيد عبدالله وأصيل هميم وماجد المهندس، أمّا ما تبقى فسأعلن عنه في وقته.

– وهل من إصدارات جديدة؟

لا أخبرتك أن هذا الألبوم هو الأول والأخير. ومن يريد متابعتي فسيجدني في حسابي على الإنستغرام.

وما رأيك في أن نختتم اللقاء بقصيدة جميلة من اختيارك ومن ثم “دبي كوكب آخر”.