“للبالغين نون النشوة” لناريمان علوش رواية فيها الجمال الحكائي والسردي، وفيها الجذب والغواية، وفيها امرأة لا تشبه الأخريات.

“للبالغين نون النشوة” لناريمان علوش
رواية فيها الجمال الحكائي والسردي، وفيها الجذب والغواية، وفيها امرأة لا تشبه الأخريات.

 

كتب الشاعر والإعلامي مردوك الشامي:

لم أفتح غلاف رواية “للبالغين نون النشوة” لناريمان علوش لأقرأ سطورها..
فتحتُ باباً على الحياة ، حياة عاشتها الكاتبة وكلنا أو غالبيتنا كنا في خضم أحداثها..
وحين دخلتُ العتبات الأولى ، وقفت في حيرة فعلاً، هل سأقرأها كمردوك الشامي بكل حيادٍ، أو كـ منصور بابا أحد شخوص الرواية كما أسمتني ناريمان حين كنت ولا أزال حاضراً في تلك الأحداث التي لا أقول عنها تشبه الواقع، بل هي الواقع تماما وبكل حيثياته وعناصره..
وإذا قرأت الرواية وأنا في داخلها كمنصور بابا ، هل سيكون حكمي على أحداثها محايداً ، أم أنني سأنحاز وهذا طبيعي لناريمان الكاتبة هنا …
لهذا سأكتب ليس كمنصور بابا، وعن أفروديت بطلة الرواية وليس عن قرينتها في الحياة ناريمان بعينها..
وقبل البدء، سأقول وهذا أكيد ، سيكون للرواية قارئان ، قارىء يعرف الواقع وكل ما حدث أو بعضا منه، وقارئاً آخر سيتعامل مع الصفحات كنص أدبي سردي.. لهذا مفاتيح الرواية ليست بمتناول الجميع، والذين يمتلكونها، سيتفاجأون بهذا الكم من الواقعية والجرأة والحقيقة التي دفعت بها ناريمان إلى الصفحات، والذين لا يمتلكون المفاتيح سيبحرون في عمل أدبي متشعب الخطوط والجهات والعناصر، وسيجدون متعة في قراءة حكاية حب نادرة، وقصائد وأحداث فيها الاثارة والتشويق..
أفروديت بطلة الرواية شاعرة وإعلامية ، مرهفة وإنسانة ربما أكثر مما يلزم الإنسان في هذا الزمن من دفق عاطفي ومشاعري ، وقعت في حب آدهم، وكما غالبية قصص الحب، يعيش العاشقان المد والجزر، السبات والبراكين، لن أتوغل في التفاصيل، أتركها للقارىء، واشجع على قراءتها جدا، ففيها عبر ودروس بلا حصر ، فيها شهادة حية عن واقع المرأة عموماً، والمطلقة خصوصا، وفيها تعرية لكثير من العرف الاجتماعي المنحرف في نظرته للمرأة، وفيها كذلك صورة عن الرجل المعاصر الذي لم يخلع بعد عباءة الراعي والجلاد والغيرة المرضية.
ناريمان قدمت أبطالا حقيقيين في عملها، شخوصا نعرفهم، وهي وظفت حضورهم في حكايتها بكل مصداقية، قدمت صورة عن العائلة في تطوراتها العاطفية، وصورة عن زواج القاصر التي هي وهذا أكيد انتقلت مع تلك القاصر في كل مراحل حياتها، انعكاساً سلبياً أسس لكل ما جاء بعده، وطرحت مسألة غياب الأب، واغتيال العمة الذي كان له الأثر الموجع والكبير على افروديت وذويها، ولم يتضح في الحكاية سبب مقتلها المأساوي.
رواية تقوم على بطولة الحب ، الحب الحقيقي، والمجنون ربما، والمرضي بحيث لا شفاء منه ، والخلاصي حين تمثل بطيف المتصوف جلال الدين الرومي ، كضمير كان يمكن له التأثير لتخرج أفروديت من الشرنقة!.
ثمة مقياسان لهذه العلاقة : حب جارف، وغيرة وجنون أظنه من طرفي العلاقة، وعقل يجرب محاكمة الأمور والتغلب على عاطفة غير منطقية نظرا للأحداث التي روتها أفروديت وعاشتها، ووصلت للتعنيف من قبل عاشق عرفنا من خلال بدايات السرد عدم التزامه بواحدة، وتأكد لأفروديت هذا الأمر في ختام الحكاية..
والختام بقي مفتوحاً، وبلا ختام ، أي بلا قرار فعلي منها، لعلها لم تكتف من الاحتراق الكبير الذي نبه إليه جلال الدين الرومي،كطريق للبرء، وعاينته ودخلت في أتونه خلال غالبية العلاقة التي عاشتها، ومع ذلك لامست في السطور وماتحتها وفوقها ، مشاعر عاشقة لا تزال تحت رمادها تمنح أدهم التبرير، وتعود إليه ثانية وعاشرة لتجرب كل الفرص.
هنا أنتهي من الحديث عن أفروديت وأدهم، وأعود لناريمان الشاعرة والروائية، لأتحدث عن عمل إبداعي، في سردية عالية، لم تثقلها الشعرية، بل منحتها جاذبية دافئة، وعن لغة عالية فيها أناقة وثقافةُ منطق وصورة تعبيرية لافتة، وهذا معهود في نتاج ناريمان وفي غالبية أعمالها، حيث تتبدى الثقافة، وسعة الاطلاع، والمقدة على توظيف اللغة الجمالية لايصال الفكرة وما خلفها.
المكان في الرواية مفتوح ، ومحدد والانتقالات الجغرافية فيه تلامس السيرة فعلا، والزمان كذلك داخل ميناء الوقت المعيوش الواقعي، بكل تفاصيله وتحديداته، والشخوص من لحم ودم، حيث لا مطرح للخيال، واستجرار الوهم التشخيصي إطلاقا، فالأم في الرواية هي الأم في الواقع، والزوج الأول يحضر كما هو ، وأدهم موجود بلا رتوش، ولؤي وحتى العاملة المنزلية والأخ وأصدقاء وزملاء الوسط الثقافي . فقط تغيرت الأسماء ، وإن حملت أحرفا ورموزا دالة على المقصودين.
للبالغين نون النشوة ، رواية فيها الجمال الحكائي والسردي، وفي الجذب والغواية، وفيها امرأة لا تشبه الأخريات ، كل مصيبتها وهذا حقيقي أنها إنسانة جداً، وبيضاء القلب، ولم تسلبها طفولتها الحياة الملتبسة التي نعيش .