الكبير محمد علي شمس الدين مكرما في لقاء المنارة قناريت
كتب مردوك الشامي.
أمسية رفعتنا إلى السماء السبعين
زنوبيا ظاهر في تقديمها ، كانت لغةً وإلقاءً وحضورا في منتهى التأثير والجاذبية ، لم تقل الشعر ، لكنها أضاءت شعرية وبلاغة غير متكلفة..
والسيدة هيلانة غدار في كلمتها الافتتاحية رحبت وقدمت التحايا للجمهور الكبير والمميز الذي حضر من غالبية المناطق اللبنانية مشاركا في تكريم الكبير محمد علي شمس الدين.
ليلة عالية عالية شهدها لقاء المنارة الثقافي في بلدة قناريت ، هي لم تكن أمسية عادية للشعر ، وضيفها لم يكن شاعرا عاديا ، فمحمد علي شمس الدين في مسيرته اختزال أزمنة من الابداع والعطاء تمتد على سنوات من السطوع وعلى صفحات 23 مجموعة شعرية أسست ولا تزال للاختلاف والفرادة ، والمختارون للحديث عن تجربته أيضا مميزون وقامات باسقة في الشعر والدور المجتمعي الفعال.
الأب الدكتور ميشال قنبر كاهن رعية بلدة الحجة ، أذهلني سعةَ إدراكٍ ، وبلاغةَ لغة ، وشمولية رؤيا ، وهو يتحدث عن المكرّم قارئا لأعماله الكاملة مبحراً في تفاصيلها، مقارباً دلالات قصيدة بكثير من المحبة والاحترافية .. هو رجل دين مسيحي ، كاهن رعية ، لكنه على منبر الشعر والنقد ، كان شاعرا وعارفا بالنقد ممسكا بمفاتيحه ، مبهرا باختيار بوابات سرية دعانا لدخولها لنكون قريبين من محمد علي وتجربته، محمد هذا الشاعر الذي تربطني به صداقة منذ ثلاثين عاما ، تقاسمنا خلالها أرغفة الشعر، وأمسيات مشتركة ولقاءات وأحاديث وهموم بلا حصر..
الباحث والخبير التربوي الدكتور سلطان ناصر الدين ، قارب تجربة شمس الدين الشعرية من الجانب الفلسفي ، فبحث في الوجود والجوهر ، في الشعر وما وراء الشعر ، في انخطافات الصوفية ، وإضاءات النبض والوجدان ، الدكتور ناصر الدين قدم بلغة غاية في التكثيف بيانات نقدية تشابه شفافية النسمة ، فأضاف إلى اللقاء الكثير من الشذى والضوء.
الدكتور كاظم نور الدين رئيس هيىة تكريم العطاء المميز في النبطية قدم مداخلة قيمة خص بها تجربة المكرم ، وتلا قصيدة بعث بها الشاعر حسن نور الدين تحية لشاعر اللقاء.
الشاعر الدكتور مصطفى سبيتي لامس بالشعر شعر محمد علي ، من خلال قصيدة محكمة ومتقنة وبليغة ، قصيدة في كثيرها كثير من الشعرية الأصيلة ، والتفرد والاعجاز اللغوي ، وفيها حب وتقدير بلا حدود ..
والشاعر سبيتي يمتلك سلطة القصيدة وسطوة المنبر ، حملنا على أجنحة بوحه إلى مطارح لا يوصلنا إليها سواه.
الشاعر الشيخ فضل مخدر ، رئيس الملتقى الثقافي اللبناني ونائب الأمين العام لاتحاد الكتاب اللبنانيين ، كعادته دخل قلوبنا من بوابة الطرفة ، ثم وبجرأة ومصداقية وقف على مسألة هامة في شخصية شمس الدين ، هي نرجسية الشاعر ، أعترف أنني كنت قلقا وأنا أسمعه وأنتظر بحذر كيف سينتهي به المطاف وهو يطرح مسألة غاية في الأهمية والدقة تلامس ما يشاع عن محمد علي وأنه نرجسي الطباع ..
وبحنكة العارف ، وحكمة البليغ ، رافع الشيخ فضل مخدر في محكمة المنارة عن صديقه العتيق ، واثبت لنا تواضع وفضل وعطاءات شمس الدين خلال كل مسيرته ، وأضيفُ إلى ما قاله وعن تجربة شخصية خبرتها من خلال علاقتي به ، محمد علي شمس الدين رغم كل الهالة التي تحيط به وهو يستحقها كثير التواضع ، محب وثمل وَجْدا بكل من قاربه وعرفه ، من مجايليه ومن كل الأجيال التي جاءت بعده واتكأت عليه شعرا وصداقة وتعلما وتجربة حياة.
ختام اللقاء كان شهدا وتحليقا ، قرأ شمس الدين من قديمه وجديده خمر الشعر المعتق في خوابي الأصالة والتحديث ، قرأ الوطن والناس والحياة ، قرأ الفلسفة والتصوف والشيرازيات المذهلة ، عاد إلى حبيبته أسيا ، ودق على أبواب فلسطين والمستقبل كله..
هو لا يزال ذلك المتوهج بوحا ، المشتعل عبارة وصورة ، والمشتغل على اختراق السائد بأنهار العسل والنبيذ.
بعدها وقع الشاعر المكرم كتبه ومجموعاته الشعرية لجمهوره المتلهف للشعر ..
على مائدة العشاء بعد الندوة التكريمية ، همست للشيخ الشاعر فضل مخدر وهو يجلس قرب الأب الدكتور ميشال قنبر :
لو كل رجال الدين في بلادنا يتعاملون بالشعر والأدب ، لكنا عرفنا الله أكثر..
بعذوبته وشفافيته رد علي الشيخ الشاعر: لو أنهم كانوا قريبين من الناس لكان الله أقرب إليهم..
الشعر يأتي من الأعالي ، وحين يكون شعرا حقيقيا يعيدنا إليها محملين بالفرح..
لقاء المنارة الثقافي ، الرائع عفيف قاووق ، قدما لنا تلك الليلة شعرا كان كفيلا بأن يرفعنا إلى السماء السبعين.