م. ماهر المخامرة: الذكاء الاصطناعي معزّز للإبداع البشري وليس بديلا عنه.

الذكاء الاصطناعي معزّز للإبداع البشري وليس بديلًا عنه. 

بقلم ناريمان علّوش.

في خضم الثورة الرقمية المتسارعة، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) حاضرًا بقوة في مختلف جوانب الحياة اليومية، من الطب والتعليم إلى الإعلام والصناعة. ورغم ما يثيره هذا التطور من مخاوف حول إمكانية أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في كثير من الوظائف، يؤكد الخبراء والمتخصصون أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الذكاء البشري، بل معزز له ومكمل لقدراته.

يقول  المهندس ماهر المخامرة، وهو خبير في الذكاء الاصطناعي واستخداماته ومتحدّث ومدرّب في هذا المجال : “الذكاء الاصطناعي يشبه الكهرباء، فهو ليس بحد ذاته منتجًا نهائيًا، بل أداة قوية تُمكّن البشر من تحقيق إنجازات أعظم. فليس الهدف منها أن تحلّ محل البشر، بل أن تساعدهم على اتخاذ قرارات أفضل، وبسرعة أكبر، ودقة أعلى. وهذا ما تؤكده العديد من التطبيقات الواقعية. ففي مجال الطب، على سبيل المثال، تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي الأطباء في تحليل صور الأشعة وتشخيص الأمراض بدقة متناهية، لكنها لا تستطيع أن تحل محل الخبرة الإنسانية التي تضع الحالة في سياقها الكامل، وتراعي البعد الإنساني في التعامل مع المرضى. وفي عالم الصحافة، بات الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحليل كم هائل من البيانات لاقتراح عناوين أو تلخيص تقارير، لكنه لا يستطيع أن يكتب قصةً إنسانية نابضة بالحياة كما يفعل الصحفي المحترف، كما أنّه معرّض للهلوسة في بعض الأحيان وإعطاء معلومات غير صحيحة،  وتعتبر هذه الثغرة من أبرز التحديات التي تواجه نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي محلّ بحث مستمر من قبل المطورين حول العالم.  وقد توصلوا في أبحاثهم إلى ما  يُعرف بـ هندسة البرومبت، أو هندسة التلقين. وهي فنّ صياغة السؤال أو الطلب بطريقة ذكية، حيث يحدّدون فيها الدور الذي يريدونه أن يتقمصه النموذج، والسياق المطلوب، بل وحتى نوعية المصادر. فكلما أحسنوا الصياغة، قلّ خطر الهلوسة.

وقد توصلوا إلى هندسة ال prompt عندما بدأت الشركات مثل OpenAI وGoogle في إطلاق نماذج لغوية قوية (مثل GPT-3 ثم GPT-4)، فلاحظ حينها المستخدمون أن نفس السؤال يمكن أن يعطي إجابات مختلفة بحسب طريقة صياغته. وهذا ما قاد إلى فكرة أن طريقة كتابة البرومبت (الأمر أو السؤال) تؤثر بشكل كبير على جودة المخرجات.
كما ظهرت ممارسات وتجارب كثيرة حول “ما هي أفضل طريقة لصياغة الطلب؟” وهنا بدأت الحاجة إلى منهجية، وهكذا بدأت “هندسة البرومبت”

ويضيف المهندس المخامرة أنّ : “الخطر لا يكمن في أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً من البشر، بل في أن يُستخدم دون فهم عميق لما هو مفيد أخلاقيًا واجتماعيًا. لذلك، نحن بحاجة إلى ذكاء بشري ناضج يقود الذكاء الاصطناعي نحو الخير.”

الذكاء الاصطناعي إذًا، أداة جبارة في يد الإنسان، تفتح آفاقًا واسعة للإبداع والتطوير. لكنه يظل بحاجة إلى الإبداع البشري، والضمير البشري، والحكمة البشرية. فالعقل البشري وحده قادر على أن يضع القيم، ويحدّد الغايات، ويستخدم الأدوات التقنية في خدمة الإنسانية لا على حسابها.

في النهاية، فإن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والبشري ليست علاقة صراع، بل تكامل. ومثلما مكّنتنا الآلات في الثورة الصناعية من تجاوز حدود القوة الجسدية، فإن الذكاء الاصطناعي يمكنه اليوم أن يساعدنا على تجاوز حدود التفكير التقليدي، شرط أن نُحسن استخدامه ونوظفه في الاتجاه الصحيح.