حين ينام القلب على سرير الوقت وتعبق الروح بضباب ذكرياتٍ لم تكتمل الوانُها وملامحُها، نبحث عن وجهٍ آخر للذات كي نُعيد الطريق الى ما ضاع منّا ورحل وربما كان الرحيل هو طريق العودة الينا..
وجه المرايا وحده الذي يرسم خطوط العمر على كف الزمن، بين ماضٍ يرتدي قبعة النّسيان وحاضرٍ ينتعل خطى الأحلام
نحو غدٍ مقتضب.. تلك المرايا هي وجه الحقيقة حين تجلي غيوم الرحيل غبار النهايات مع كل خاتمة للحلم وفي منتهى اللهفة والشغف..
غشيَ الضبابُ مرآتَها وعبقت أحلامُها بظلالٍ باهتة رغم فجور الضوء من الهزيع وارتكابه كل آيات الألوان، ورغم انتسابها الفاطميّ لكنها ما زالت تبحث عن دولةٍ وعن تاريخٍ لا يُشبه إلاّها..
حاولت تجميع تفاصيلها ما بين لوحة تحمل بصمات امرأة عاشقة وذاكرةً منسيّة، أو ربما حلما ما زال على قيد الطفولة.. بحثت بين أحلامها الصغيرة.. في اشيائها المبعثرة .. في ضفائرها التي دفعتها عربونا للحرية.. لململت من بريق عينيها بعضَ الحكايات فازددت حيرةً.. الى أن عدتُ بحواسي كاملة الى المرأة التي امامي.. ابتسمت لي فقرأتُها وادركت ان المرايا لا تكذب وان الرحيل لا يعود الا من خلال انعكاساتها.. فكلما ابتعدنا عنها عُدنا الى أنفسِنا أكثر.. كالنصف الذي ضاع في مرآة الطفلة فاطمة واكتمل في مرايا رحيلها..
في هذه الرواية، تنسج فاطمة اسماعيل أحلامها العذراء من قميص أنوثتها الشفاف، وترش عطر الطفولة على منديل الكلمات.. ترقص كما لو أنّها باليرينا عارية في علبةٍ موسيقية تدور وتدور حول الحب… بل هي الأغنية التي تبرقُ في عيني امرأةٍ عاشقة تُسكرها الموسيقى كي تسافر نحو الشمس بلا عودة…
تهرب من مرآتها المهزومة، كي تلتقي مع ذاتها وتتأمل داخلها ربما تجد ما ترتديه في صقيع الحزن.
الآن، وبعد كل ذلك السفر في مراياها وفي صمتها وأحلامها وأمنياتها، عادت بجواز سفر يحمل ختم خروجها من الطفولة وختم عودتها إليها لتستقر على غصن شجرة تراقب الحلم من بعيد، وتتمارى في الرحيل…
أعزائ الحضور الكريم لا يسعني إلا أن أقدّم لكم تلك المرايا على صفحات دار ناريمان للنشر لتقرأوا فيها عمرا من رحيل على أمل العودة على صهوة حلم جديد..
الكاتبة والفنانة التشكيلية فاطمة اسماعيل .. الى المزيد من المرايا التي تبحرين فيها على مد البحر والشطآن .. ونحن على يقين أن كلَّ هذا الترحال في مراياكِ هو منكِ اليكِ ونحن بين الإثنين نقرأ ابتسامتك…