الشاعر فواز الشروقي :
” لا بد من الصدفة لتحقيق الجماهيرية”
” على الشاعر أن يتخفّف كثيراً من الحكمة حتى يصبح شعره شعراً”.
فواز الشروقي، شاعر وروائي بحريني جمع بين الفكر والأدب، يحمل دكتوراه في التربية والتعليم. بدأ رحلته بكتاب “ثم حلقت لحيتي” (2008)، ثم أصدر ديوانه “أبدية العينين” (2009) ورواية “الدفنة” (2014)، التي عكست تاريخ البحرين بأسلوب درامي. عاد إلى الشعر بديوانه “قريبة كنجمة بعيدة كقبلة” (2019).
شارك في الكثير من الأمسيات الأدبية، مؤمنًا بأن الشعر يجب أن يكون قريبًا من الناس. يرى أن قصيدة النثر لم تحقق التأثير المطلوب ويدعو لاستعادة بريق الشعر العربي الأصيل. ببساطته وعمقه، يظل اسمه حاضرًا في المشهد الأدبي البحريني والعربي.
في شعره، تنبض الروح البحرينية بجمالها ومواجعها، وتتجلى صور الوطن كحكاية مكتوبة بماء اللؤلؤ. لغته عذبة، تنساب كنسيم الخليج، تحمل في طياتها وجع الإنسان وآماله وأحلامه. وعلى الرغم من مخاوفه حول ذاكرة الشعر والشاعر، إلا أن اسمه سيظل نقشًا خالدًا في ذاكرة الأدب البحريني
دعونا نقترب من عالمه لنتعرف أكثر على رؤيته للشعر والإبداع:
ثمّ حلقت لحيتي”
تقول عن هذا المؤلَّف إنّه كتاب فكر لا أدب، لماذا لا تقول إنه يجمع الجنسين معًا، فلطالما كان الأدب ملهمًا لذلك الفكر ومحرّضًا له، وكذلك الأدب لا يمكن أن يولد بعيدًا من الفكر … وما الذي أردت إيصاله من خلال هذا القالب الفكري؟
في كتابي الأوّل، وتجربتي الأولى في الكتابة، لم يكن هاجسي أن أكتب أدباً، بل أن أسجّل تجربة، وأن أحلّلها. ولقد احتوى الكتاب على قراءاتي ومشاهداتي وخبراتي مع الجماعات الإسلامية، بالتركيز على الأسباب التي تقود الشابّ إلى الانخراط في هذه الجماعات، وما الذي يفقده في ريعان شبابه حين ينضمّ إليها، والأسباب التي تدفع الشابّ إلى الخروج منها.
قد يكون الأسلوب السرديّ أدبيّاً، ولكنّه عن غير قصد بكلّ تأكيد. كان هدفي أن أخلق لدى الشابّ وعياً يحميه من الوقوع في براثن الجماعات الإسلامية، وبالتالي يفقد حرّيته في التفكير، واختيار المسار المناسب له في حياته، وممارسة هواياته، وخوض تجارب الحياة مثل أقرانه من غير المنخرطين في مثل هذه الجماعات. وأتمنى أن أكون وُفّقت في هذا الأمر.
لمن تتوجه في كتاباتك؟
أنا شاعر في الأساس. ولكن لديّ اهتمام كبير بالفكر. وكرّست كتاباتي المنشورة في الصحف البحرينية إلى مراجعة ما كنّا نحسبه من المسلّمات. إلى إعادة التفكير فيما اعتقدنا أنّه لا يُمسّ، وإلى ما توهّمنا أنّه من الثوابت. كان لديّ اهتمام كبير بإعادة النظر في تراثنا، ومراجعته، ونقده، أو على الأقلّ قراءته قراءة أخرى.
كيف ترى النشاط الثقافي في البحرين؟
النشاط الثقافي في البحرين اليوم في حركة دائبة. لدينا نشاط ثقافي رسمي تشرف عليه هيئة البحرين للثقافة والآثار، ولدينا نشاط ثقافيّ أهلي أكثر حركة وثراء، يتصدّره مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، الذي ترأس مجلس أمنائه معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، والذي تتفرّع منه بيوت ثقافية تعود إلى روّاد الثقافة والأدب والفنّ البحرينيين، ومنهم عبد الله الزايد مؤسس أول صحيفة بحرينية، وإبراهيم العريّض شاعر البحرين الأول، ومحمد بن فارس رائد فنّ الصوت الخليجي، وغازي القصيبي وغيرها من البيوت. وتقام في هذه البيوت محاضرات وندوات ومعارض فنّية وأمسيات شعرية على مدار العام. بالإضافة إلى العديد من المؤسسات الأهليّة الأخرى.
بالنسبة لقصيدة الشاعر فواز الشروقي، ما هي المشاعر المهيمنة فيها؟ الحب؟ الحنين؟ الوجع.. ؟ وهل تظهر تلك المشاعر بصورة مباشرة أم تلبسها من الغموض ما يجعلها عصيّة على التأويل؟
لا أعرف إن كان هذا عيباً بقصائدي أم ميزة، ولكنّ جميع قصائدي التي كتبتها منذ كنت في الرابعة عشرة من عمري إلى اليوم، سهلة القراءة، وواضحة، يستطيع قراءتها المثقّف وغير المثقّف. ولم يكن ذلك بمحض الصدفة، فأنا أتعمّد أن أكتب بلغة سهلة، وأجهد لتحقيق ذلك، لأني أظنّ أنّ مقدرة الشاعر تتجلّى في التعبير عن أدقّ المشاعر وأصعبها بأسهل العبارات. وأنا أكتب عن الحبّ بكلّ أطواره وحالاته، من الولع إلى الشوق إلى الفراق إلى الخيبة، ولا أظنّ أنني أخرج في قصائدي عن موضوع الحبّ.
كيف ترى تفاعل الجيل الجديد مع القصيدة العامودية، وما الذي برأيك يشبع ذائقة هذا الجيل؟ الصورة أم اللغة، ام سلاسة المعنى ؟
في تصوّري أنّ الغموض الذي اتسم به الشعر الحديث، وخصوصاً شعر المتأثّرين بمدرسة أدونيس، صرف الناس عن الشعر. ولكن الذي أعادهم إلى الشعر هو عودة الشعراء لكتابة القصيدة العمودية. وأقول العمودية وليس قصيدة التفعيلة. وليس جميع القصائد العمودية، إذ إنّ كثيراً من شعراء القصيدة العمودية يكتبون شعراً جامداً متحنّطاً لا ينتمي لهذا العصر أبداً. ولكن هناك مجموعة من الشعراء ظهروا خلال السنوات العشرين الماضية أعادوا إحياء القصيدة العمودية من جديد وأعادوا إليها ألقها، من خلال لغة أنيقة جميلة وموضوعات مدهشة وتناول أخّاذ. وأنا أرى أنّ الذي يشبع ذائقة هذا الجيل هو المزيج من الموسيقى التي توفّرها القصيدة العمودية، والموضوعات المستجدّة المدهشة، والسلاسة في الكتابة.
نرى أنّ الكثير من الشعراء استطاعوا تكوين جمهور كبير على الرغم من أنهم لا يصنّفون من شعراء الصف الأول، لكنهم استطاعوا بناء قاعدة جمهور واسعة؟ برأيك ما هي العوامل التي تساعد الشاعر على تكوين ذلك الجمهور عدا عن فرادة قصيدته؟ وما هي أهمية وسائل التواصل الإجتماعي في رحلة الوصول؟
أسعد كثيراً عندما أرى شاعراً حقيقياً يستطيع تحقيق الجماهيرية، أو أن يسحب جزءاً من بساط الجماهيرية من تحت أقدام مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي من الفنّانين وأصحاب المضامين الفكاهيّة أو الغريبة أو التافهة أحياناً. لأنّ تحقيق الجماهيرية عبر المضمون الجادّ في هذا الزمن عملية صعبة جدّاً. وأرى أنّ كثيراً من الشعراء الحقيقيين الذين حقّقوا جماهيرية عالية، اعتمدوا على تقديم محتوى مميّز جداً، وفي بعض الأحيان ساعدهم ظهور مميّز في برنامج جميل، أو صادفهم تسجيل مميّز للقاء من اللقاءات، إذ القدرة الشعريّة لا تكفي وحدها في أغلب الأحيان لتحقيق الجماهيريّة في زمننا، لا بدّ من الصدفة أيضاً.
يقول أحمد شوقي :
لا يزال الشعر عاطلاً حتى تزينه الحكمة، ولا تزال الحكمة شاردة، حتى يؤويها بيتٌ من الشعر
برأيك هل القصيدة المتوهجة والحكمة متلازمتان ؟ وما هي الحكم التي تحرص على إيصالها إلى جمهورك؟
الشعر الممتلئ حكمة من وجهة نظري ليس بشعر. على الشاعر أن يتخفّف كثيراً من الحكمة حتى يصبح شعره شعراً. المتنبّي كان استثناء. عن نفسي، أحرص على إيصال المشاعر الحقيقيّة للجمهور، ولست معنيّاً بإيصال الحكم إليهم. بالإمكان إيصال الحكم عن طريق ساعي البريد، أما الشاعر فليس من مهامّه أن يكون ساعي بريد.
ما الذي تطمح إليه في عالم الأدب والثقافة والشعر؟
الذي أطمح إليه هو أن أجد صيغة لحفظ الشعر للأجيال القادمة غير الكتاب، لأنّ مستقبل الكتاب غير مضمون، والجيل الجديد لا يقرأ الشعر من دواوين الشعر، بل يتلقّف الأبيات في وسائل التواصل الاجتماعي العابرة. أحمل دائماً هذا التساؤل: ما الذي سيحفظ شعرنا بعد مرور السنوات؟ لأنّ المضامين المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي آنية، تُتداول لمدّة يوم أو أسبوع على أقصى مدى ثم تختفي إلى أبد الآبدين.
قريبة كنجمة بعيدة كقبلة، هو عنوان ديوانك الشعري الأخير، هل برأيك الشاعر يحتاج إلى هذه المسافة بين مشاعره والقبلة حتى يضرم القصيدة ويوقد فيها الدهشة؟
كلّما تقدّم الشاعر في العمر، يشعر أنّه صار أقرب إلى النجوم، وأبعد عن القبلة. المعاناة لدى الشاعر الذي يصل إلى عمري تتبدّى في أنّه يصبح أكثر تحفّظاً في التعبير عن مشاعره، وأقلّ جرأة، ويبقى يدور في فلك الحنين للحبيب القريب في المسافة، البعيد عن الإفصاح له بالمشاعر. وهذا الأمر يتجلّى بوضوح في الفرق بين قصائدي التي كتبتها في ديواني الأول “أبديّة العينين”، وأشعاري التي كتبتها مؤخراً بعد صدور ديواني “قريبة كنجمة بعيدة كقبلة”.
هل برأيك القصيدة تصل أسرع إلى القارئ أم إلى المستمع ؟ أي هل هناك جمهور من القراء الذين يقتنون الدواوين الشعرية أم هم يكتفون بتذوقها عبر الأمسيات الشعرية وعبر وسائل التواصل؟
جمهور اليوم قد لا يكون من قرّاء الشعر في دواوين الشعر، ولكنّه يحبّ الشعر الجميل ويبحث عنه. ولا أدلّ على ذلك من سعي كثير من المغنّين اليوم إلى غناء القصائد الفصيحة لأنّ الجمهور يتفاعل مع القصائد الفصيحة الجميلة أكثر من بقيّة القصائد. وأظنّ أن الجمهور يبدأ التعلّق بالقصيدة عند سماعها، ثمّ يبحث عنها وعن شعر قائلها. وكما يقول الشاعر:
“والأذن تعشق قبل العين أحيانا”