ما هو الثمن الذي ستدفعه مقابل قصيدة من قصائدك؟
وإن كان هناك رقم، كم صفرًا سيحتوي من جهة اليمين؟
وهل الثمن الذي دفعته كان يستحق ما كتبت؟
ليس من الناحية المادية، بل من الزاوية التي لا تضيئها إلا مشاعرنا المُطفأة.
جميعنا كتبنا دون أن ندفع مالًا،
لكننا دفعنا أشياء لا تُقاس، ولا تُوزن، ولا تُشترى.
هناك من دفع دموعه، ومن وهب سهره،
ومن باع راحته، وهدوءه، وطمأنينته،
في سبيل قصيدة وحيدة، منسية،
لا يعلم بوجودها أحد، إلا هو والورق.
أنا شخصيًا، لو عاد بي الزمن،
سأعيد كل لحظة نزفتُ فيها حرفًا،
كل دمعه سقطت على دفترٍ أصفر،
كل رعشة يد أمسكت قلمًا وارتجفت خوفًا أن لا تكفي اللغة.
نعم، كنت سأدفع الثمن ذاته، وربما أكثر،
لأجل كل بيت كتبته وكان يشبهني.
كل ما كتبت، يستحق.
كل تنهيدة خبأتها في سطر،
كل تشبيه فاض عن وجعي،
كل استعارة لامست وجهي كما لو كانت يد من غابوا،
كلها تستحق،
فهي التي أبقتني على قيد الشعور،
حين كان العالم يدفعني للجمود.
حين أعود الآن لدفاتري القديمة،
أشعر أنني لا أقرأ قصائدي، بل أقرأ تاريخي،
أقرأ فصولًا من حياتي لا يراها أحد،
ولا يسمعها أحد،
لكنني أراها أنا، واضحة كالمطر على زجاج الذاكرة.
أرى الثمن في عجز كل قصيدة،
أرى كومة من السهر قد بلّلها المطر،
أرى ساعة عمري بعدما لدغني عقرب الوقت،
وأرى من كتبت فيه،
ومن كتبت إليه،
ومن كتبت عنه دون أن يدري.
أحيانًا أرى من يجلس بجانبي حين يرمقني بنظرة الشك،
كأن الشعر تهمة، وكأن القصيدة خيانة،
وأنا فقط كنت أبحث عن متنفس للصدق.
أرى ورقة بيضاء، مسطرة، تنتظر مني الحساب،
تنتظرني أن أبدأ بتلويثها بحبوي،
أن أغرس فيها جرحًا جديدًا بلغة أنيقة.
الثمن؟
ربما لا يُحسب، لكنه يُحَسّ.
القصيدة لا تكلّف مالًا، لكنها قد تأخذ منك السلام،
وقد تعيدك إلى أماكن كنت تظن أنك نسيتها.
الشعر لا يسكن الورق، بل يسكنك.
وكل قصيدة صادقة هي مرآة مكسورة،
ترى فيها نفسك بشكل مختلف في كل مرة.
ولهذا، إن سألتني: هل يستحق؟
سأقول: نعم، لأنني لم أكتب لأربح،
بل كتبت لأشفى…
ولم أُشفَ بعد.