“في ضوء الكلمة: علاقة عصام العبدالله بسعيد عقل”

“في ضوء الكلمة: علاقة عصام العبدالله بسعيد عقل”

قال الشاعر عصام العبدالله للجمهور خلال الاحتفاء به لنيله جائزة سعيد عقل :

سيأتي يوم يحاسِب فيه “السيد التاريخ” منتحلي الصفات… سيقف الأطباء ، والعلماء، والمسرحيون والأدباء ، والمفكّرون… كلٌّ بحسب صفته سيقف أمام التاريخ ، وحين يأتي دور الشعراء  سيكتفي “السيد التاريخ” بطرح سؤال واحد يكتشف من خلاله  ما إذا كانوا منتحلي صفة شاعر أم لا- لأنّ السيد التاريخ   لديه حساسية شديدة تجاه هؤلاء، وليس كباقي المهن التي تحتاج إلى الكثير من التدقيق والاستجواب… سؤال واحد يكفي وهو:
” انتبهلك سعيد عقل أو لا؟؟؟ إذا انتبهلك يعني انت شاعر وإذا لا يعني انت مش شاعر”…

وحين دوّى التصفيق بين الجدران، تابع عصام العبدالله حديثه، كمن يسترجع لحظة حاسمة في ولادة ذاته الشعرية:
“كنت في الثامنة عشرة من عمري، حين نال شولوخوف جائزة نوبل عن رائعته نهر الدون الهادئ. وحين دعا ميشال أسمر للاحتفاء به، كنت هناك، واقفًا عند الحائط، لا كرسي لي بين الجالسين، أنصت بخشوع إلى سعيد عقل يُلقي قصيدته في تكريم شولوخوف. لم تكن مجرد قصيدة… يومها، أصبتُ بأعراض الشعر لأول مرة.”

 

ولدت، سريري ضفة النهر، فالنهر تآخى وعمري مثلما الورد والشهر
وكان أبي كالموج يهدر، مرة ً يدحرج من صخر، وآنا ً، هو الصخر!
وقد علماني الحق، ما الحق؟ دفعة كما السيل عنه انشق، واخضوضر القفر
وعمر شرار ليس يأسن ينتخي على الصعب، فهو الشرد والبرد والحر
وأنك خط كالشهامة واقف اذا انهار ظهر الناس أنت لهم ظهر
وما قلم بالكف ان لم تهم به مواض وتحسده الردينية السمر !
توحد من من حزه طاب حبره، ومن بتلقي طعنه افتتن الصدر،
أنا عنهما ذيينك الشائلين بي أخذت ولم أسكر، وبي تسكر الخمر!…
كأني بين الموج والمجد ساكن، وداري بنت الصبح ما شابها عصر
لئن تحك عن نهر، فشطر قصيدتي يطل، وهز السيف يكتمل الشطر!……

وحين انتهى من قراءة الأبيات تابع حديثه قائلًا:
وطبّ عصام العبدالله مغشيًّا عليه بنوبة الشعر الصاعقة… واتّخذ سعيد عقل معلّمًا وفاتحًا وملوّنا… ذلك المهندس الذي يهندس القصيدة العربية بالفصحى العظيمة، وكأنّها كاتدرائية يقيم فيها قلاعًا من القصائد العربية الفصيحة التي تعتبر إضافة إلى المكتبة العربية صاحبة العشرة ملايين بيتًا من الشعر..

ويستدرك قائلا:
قصائده ليست كاتدرائيات وقلاعًا  وقصورًا فحسب، بل هي “فيلّات مشمسة”.. فماذا تقول عن قصيدة قالها لشبلي الملاط:

ظننت شعرك فخر الدين، منتهرا ً: “جنود عنجر، هذا يومها الهممُ!”
يسخى فيسخون، قلت السيف في يده يسخى وتلتفت القيعان والرجمُ
حرمون في الأفق يروي عن بطولتهم، صنين يغوى بهم تيها ً وينسجمُ
لله ما ماد من برج، وزلزل عن سرج، ومن قضموا رمحا ً ومن قحموا
هم الأولى أخذوا عن راسياتهم أن القلاع، وأن الراسيات همُ…

وتابع العبدالله وسط أجواء من التصفيق الحار:
هذه القلاع العمودية العظيمة من القصائد العربية الجميلة الفاتحة والمغامرة، يقف إلى جانبها قصائد المحكي المشمسة:
وقالو شلحلي ورد ع تختي
وشباكنا بيعلاه
وشو عرفو أياه
تختي أنا وأياه
تخت إختي

واختتم اللقاء قائلا:
“أنا فخور بجائزة سعيد عقل… فخور إنّو انتبهلي سعيد عقل…”

 

 

وفب حوار آخر قال عصام العبدالله عن  سعيد عقل:

لا تلتفت لتراه. لتراه إصعد إليه. إصعد إليه ولا درج. أنت وهمّتك، أنت وذكاؤك، أنت ومخيّلتك إصعد إليه ولا درج.

النهر الواقف كالقصيدة الواقفة، القصيدة العمودية أمّ الشعر وذهب الرمل وماء الحديقة. إصعد إليه. سترى رجلاً من بياض النوايا ، وجهه زهر يكاد أن يتفتح وعلى رأسه تحوم غيمة بيضاء ولا مطر ، والشجر في عينيه كأنه بعد شتوة منفعلة. يلمع تحت شمس قريبة.

سلطان على الكلام تحفّ به صبايا اللغة بكامل الأناقة. ثياب من مجاز وجمال من استعارة، والبلاغة كلها تحمل شفقاً من الزهر تنثره على العابرين.

أدّعي أنني صعدت إليه وانفتحت أمامي جغرافيا الشعر. ودلّني على الركائز الأساسية التي يقوم عليها الجمال. دلّني على ما قدّمه هو إلى الجمال. تفرّجت على الخفيّ اللماح الذي تبتكره المخيلة الفوّارة. تفرّجت على اللغة كيف تصير ولودة وكيف ترقّ وكيف تلين وكيف تغضب.

من يصعد معي إليه؟ لنرى معاً كلنا كيف أن اللغة تبني قصراً وكاتدرائية وقلعة ، ثم في المحكية تنقط من أصابعه بيوت الزجاج الواسعة، الفلل الحديثة المشمسة.  بنبالة الفرسان القدماء يعمّر سعيد عقل قلعته وحصنه، ثم كما يدلف العشاق إلى المخابئ في الحدائق، يميل إلى المحكية الرائعة.

سنرى إذا صعدنا إليه حبراً كثيراً ونثراً كثيراً. فهو قد كتب في أكثر من نوع من الأدب، سنرى كتبه تسقط على الناس كالخبر الجميل تتناقله الناس من زمن إلى زمن.

نصعد إليه فتدهشنا القامة التي ارتفاعها مئة عام. كأنه يلعب بالسحاب. من يقدر أن يحفر قبراً لجسد طوله مئة عام! ذهبت إلى ضريحه وفتَنَني رودي رحمة بالنحت الجميل المدهش. ولكن هذا ليس ضريح الأستاذ سعيد يا رودي. هذه ثيابه في التراب. البدلة الرمادية وربطة العنق الحمراء. إنها ثيابه بينما هو ، فأظن بأنه في المكان.

المكان حيث يخبط الله وحيداً وقد تكاثرت عليه العقول قائدة الظنون. أما الشعر فبالكاد يَبين، لذلك يمسك الله بكتاب الشعر ويقرأ.

ثمّة شعراء موهوبون وخلّاقون يقرأ لهم الله. عن المعلّم سعيد عقل

لا تلتفت لتراه. لتراه إصعد إليه. إصعد إليه ولا درج. أنت وهمّتك، أنت وذكاؤك، أنت ومخيّلتك إصعد إليه ولا درج.

النهر الواقف كالقصيدة الواقفة، القصيدة العمودية أمّ الشعر وذهب الرمل وماء الحديقة. إصعد إليه. سترى رجلاً من بياض النوايا ، وجهه زهر يكاد أن يتفتح وعلى رأسه تحوم غيمة بيضاء ولا مطر ، والشجر في عينيه كأنه بعد شتوة منفعلة. يلمع تحت شمس قريبة.

سلطان على الكلام تحفّ به صبايا اللغة بكامل الأناقة. ثياب من مجاز وجمال من استعارة، والبلاغة كلها تحمل شفقاً من الزهر تنثره على العابرين.

أدّعي أنني صعدت إليه وانفتحت أمامي جغرافيا الشعر. ودلّني على الركائز الأساسية التي يقوم عليها الجمال. دلّني على ما قدّمه هو إلى الجمال. تفرّجت على الخفيّ اللماح الذي تبتكره المخيلة الفوّارة. تفرّجت على اللغة كيف تصير ولودة وكيف ترقّ وكيف تلين وكيف تغضب.

من يصعد معي إليه؟ لنرى معاً كلنا كيف أن اللغة تبني قصراً وكاتدرائية وقلعة ، ثم في المحكية تنقط من أصابعه بيوت الزجاج الواسعة، الفلل الحديثة المشمسة.  بنبالة الفرسان القدماء يعمّر سعيد عقل قلعته وحصنه، ثم كما يدلف العشاق إلى المخابئ في الحدائق، يميل إلى المحكية الرائعة.

سنرى إذا صعدنا إليه حبراً كثيراً ونثراً كثيراً. فهو قد كتب في أكثر من نوع من الأدب، سنرى كتبه تسقط على الناس كالخبر الجميل تتناقله الناس من زمن إلى زمن.

نصعد إليه فتدهشنا القامة التي ارتفاعها مئة عام. كأنه يلعب بالسحاب. من يقدر أن يحفر قبراً لجسد طوله مئة عام! ذهبت إلى ضريحه وفتَنَني رودي رحمة بالنحت الجميل المدهش. ولكن هذا ليس ضريح الأستاذ سعيد يا رودي. هذه ثيابه في التراب. البدلة الرمادية وربطة العنق الحمراء. إنها ثيابه بينما هو ، فأظن بأنه في المكان.

المكان حيث يخبط الله وحيداً وقد تكاثرت عليه العقول قائدة الظنون. أما الشعر فبالكاد يَبين، لذلك يمسك الله بكتاب الشعر ويقرأ.

ثمّة شعراء موهوبون وخلّاقون يقرأ لهم الله.