شريف الجيّار: الرواية الجيدة هي تلك التي تطرح أسئلتها الخاصّة، وتشتبك مع الإنسان، لا بوصفه كائنًا محليًا فقط، بل عالميًا…

في فضاء النقد الأدبي الحديث، يبرز اسم لا يُخطئه القلم، ولا تغفله الذاكرة الثقافية، ناقد جمع بين عمق التخصص، ورحابة الأفق، وبين الحفر المعرفي الدقيق، والانفتاح الحضاري الخلّاق. إنه الأستاذ القدير في النقد الأدبي الحديث والأدب المقارن، والعميد السابق لكلية الألسن بجامعة بني سويف، الذي لم يكن مجرد أكاديمي يمضي بين قاعات المحاضرات، بل مفكر متجذر في أرض الثقافة، مجتهد في حقول البحث والتعليم، متنقل بين القارات سفيرًا للكلمة والفكر، من مصر إلى أمريكا، وكندا، وبولندا، مرورًا بإندونيسيا والهند.

تتجاوز خبراته العشرين عامًا، حافلة بالعطاء الأكاديمي والثقافي، ممتدة عبر قاعات الجامعات، ومنصات المؤتمرات، وساحات الورش الإبداعية، كما امتدت لمساحات أرحب حين تولّى مسؤوليات وطنية في وزارة الثقافة المصرية، واضعًا بصمته المتميزة في قطاع النشر. وقد احتُفيَ به في العديد من الدول العربية، اعترافًا بإسهاماته الفكرية والثقافية الفريدة. إنّه الناقد الدكتور شريف الجيار: 

  • كيف تقيّم الجيل الجديد من الروائيين المصريين؟ وهل ما زال العالم العربي يتكّئ على الرواية المصرية؟
      الجيل الجديد من الروائيين المصريين، يُبشّر بالكثير من الحيوية، والتنوّع الأسلوبي والموضوعي، إذ بتنا نلمس جرأة في الطرح، وتجريبًا في البنية السردية، ووعيًا أكبر بأهمية التفاعل، مع التحوّلات الاجتماعية والثقافية. ما زالت الرواية المصرية تلعب دورًا محوريًّا في المشهد العربي، نظرًا لعمقها التاريخي، واتساع قاعدتها القرائية والنقدية، لكنّ الساحة العربية أيضًا، باتت أكثر تنوّعًا، مع بروز أصوات من الخليج والمغرب العربي وبلاد الشام، وهذا ما لاحظناه في نتائج الجوائز، في المؤسسات الثقافية العربية، خلال السنوات الأخيرة، فنحن جميعًا شركاء، في بناء الخطاب الإبداعي العالمي.
  • هل من الممكن أن يعود نجيب محفوظ، من خلال الإبداع الأدبي المصري من جديد، أم أنّه حالة استثنائية لا تتكرّر؟

 يمثل نجيب محفوظ حالة استثنائية، بكلّ تأكيد، ليس لأنه وصل إلى العالمية فحسب، بل لأنه استطاع أن يُشكّل مشروعًا سرديًّا متكاملًا، فهو حالة فريدة، ومؤسسة قائمة بذاتها، في تاريخ الأدب العربي، ولا يعني ذلك أن الإبداع المصري قد توقّف عنده. نحن اليوم أمام تجارب تمتلك إمكانات كبيرة، والمطلوب هو الاستثمار في البنية الثقافية والنقدية، وفتح نوافذ أمام الترجمة، والاحتضان المؤسسي لتلك الطاقات. فعودة “نجيب محفوظ” لا تعني تكراره، بل الإيمان بأن كل جيل، يمكن أن يُنتج رمزه الخاص.

  • كيف يمكن إيصال الأدب العربي عامة، والمصري خاصة، إلى العالمية؟

الوصول إلى العالمية، يتطلب مشروعًا ثقافيًّا شاملًا، يتكامل فيه الإبداع مع الترجمة، والدعم المؤسسي مع الحضور في الفعاليات الدولية. لا بدّ من تفعيل برامج الترجمة بشكل احترافي، وبناء جسور مع الناشرين والمترجمين، والمؤسسات الثقافية العابرة للحدود، والمشاركة في معارض الكتب العالمية، بجناحٍ يعكس الصورة الثقافية العربية بديناميكية وجاذبية. كما أنّ استثمار التكنولوجيا والمنصّات الرقمية، بات أمرًا ضروريًا للترويج للأدب العربي، خارج الحدود الجغرافية. كذلك، من المهم أن يكون هناك وعي لدى الكاتب، بأهمية كتابة نص، ينفتح على الإنسان أينما كان، دون التنازل عن الهوية الثقافية. لا نحتاج إلى “التغريب” كي نصل، بل إلى الصدق في التعبير، والاحتراف في الصياغة. 

  • كيف تصف الحركة الثقافية في الوسط الثقافي المصري؟ وما تأثيره في الوسط الثقافي العربي ككل؟
    الحركة الثقافية في مصر، رغم بعض التحدّيات، التي تواجه المؤسسات الثقافية والتمويل والدعم، هناك جهود فردية وجماعية تستحق الإشادة، وهناك تواصل فعلي بين مصر، والمراكز الثقافية العربية الأخرى، مصر ما زالت تحتفظ بزخمها وتنوّعها، سواء من خلال الأنشطة المؤسسية، أو المبادرات الفردية، وتمتلك تراكمًا حضاريًّا وثقافيًا، وتمارس دورها الريادي، الذي يجعلها نقطة إشعاع في الإقليم العربي. وهناك تأثير فعلي مستمر، سواء عبر الإصدارات الأدبية، أو الحراك النقدي، أو استضافة الفعاليات الفكرية الكبر. وهذا التأثير يدفع باتجاه تنشيط التبادل الثقافي، داخل العالم العربي، وتعزيز مفهوم الثقافة المشتركة. من خلال تنسيق أكبر، ومشروعات ثقافية عابرة للدول، تعزز هذا التأثير المتبادل.
  •  ما رأيك بالمسابقات والجوائز العربية التي تمنح للرواية والقصة القصيرة، وكيف تجد دورها في تحفيز الكتّاب؟
    الجوائز الأدبية العربية، لعبت دورًا جوهريًّا، في تسليط الضوء على كثير من الأسماء الإبداعية، التي ربما لم تكن ستصل إلى المتلقي بسهولة، لولا وجود هذه المنصات. هذه الجوائز تُحفّز الكتّاب، لا سيما شباب المبدعين، على الإنتاج الجاد، وتخلق نوعًا من الحراك الثقافي، وتدفع دور النشر، إلى تبني مشاريع أدبية جديدة. ومع ذلك، لا بدّ أن تبقى هذه الجوائز، على مسافة بعيدة من المجاملات، لتحافظ على مصداقيتها، وموضوعيتها، وقيمتها المعنوية، التي تنبثق من المعيار الفني، كأساس للتقييم، فبعض الجوائز العربية؛ مثل العويس والشيخ زايد بالإمارات العربية، وكتارا في قطر، والملك فيصل العالمية بالسعودية، ومسابقة ملتقى القصة القصيرة العربية بالكويت وغيرها، أصبحت مؤثرة في المشهد الثقافي، العربي والعالمي، وتُسهم في خلق حالة من التنافس الإيجابي، بين المبدعين من كل الأجيال.

 

  • ما أبرز المطبات التي تعرقل مسيرة الروائي اليوم؟

يواجه الروائي العربي تحديات متعدّدة، منها غياب الدعم المؤسسي، إلا ما ندر، وضيق مساحات النشر وضعف التوزيع، وفوضى سوق النشر، التي تحتاج إلى تقنين ورقابة تحفظ حقوق المؤلف. الذي عادة ما يعاني من قلة العائد المادي، وتحدي الوقت؛ فالكثير من المبدعين يعملون في وظائف أخرى، مما يستهلك طاقاتهم الإبداعية. فضلًا عن انشغال القرّاء بالوسائط السريعة والتفاعلية. أضف إلى ذلك محدودية الترجمة، وغياب الاحتضان النقدي الجاد. كما أن التفاوت في مستويات التلقّي، والتوزيع داخل العالم العربي، يخلق فجوة بين الإبداع والمُتلقّي المحتمل. لذلك، لا بدّ من معالجة هذه العراقيل بشكل متكامل ومنظّم. 

  • بعض الروايات المصرية تُكتب باللهجة العامية المصرية، فهل ترى ذلك ظاهرة أدبية؟ وكيف يخدم السرد؟
    استخدام العامية المصرية في الرواية، هو جزء من محاولة استعادة الأصالة، والتقرّب من الواقع المعيش، بصدقه الحياتي، وهو ليس بالأمر الجديد تمامًا، فقد مارسه كبار الكتّاب في الحوار السردي. لكن ما يُلاحظ اليوم، هو تمدّد اللهجة إلى مناطق السرد ذاته، وهو ما يثير نقاشًا نقديًّا، حول مدى تأثير ذلك على قابلية الترجمة والتلقّي العربي. أرى أنّ اللهجة، قد تُثري النص، في حال استُخدمت بذكاء فني، ولكن الإفراط فيها قد يحدّ من عالميّته. 
  • بماذا تنصح المتقدّمين لمسابقة ناريمان للنشر؟

أنصح المتقدّمين بالحرص على الأصالة، والابتعاد عن التكرار أو المباشرة. الرواية الجيدة هي تلك التي تطرح أسئلتها الخاصة، وتشتبك مع الإنسان، لا بوصفه كائنًا محليًا فقط، بل عالميًا. فليكن النص متينًا لغويًّا، وناضجًا سرديًّا، ومشحونًا بروح التجربة. وعلى الكاتب أن يؤمن، بأن كل عمل يُقدَّم للمسابقة، هو بمثابة بطاقة تعارف فني مع العالم، من خلال بناء معماري متكامل؛ لغويًا وجماليًا. فالجوائز فرص، لكن القيمة الحقيقية للعمل، هي ما تبقى بعد فوات موعد التكريم.

  • ما هي أبرز أهداف د. شريف الجيار وآخر إنجازاته؟

أسعى دائمًا في مشروعي النقدي، إلى تعزيز التواصل الثقافي، وبناء جسر تفاعلي، بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى، من خلال التركيز على النقد المقارن، وإبراز صورة الأدب العربي، في الدراسات الغربية. من بين الإنجازات الأخيرة: المشاركة في لجان تحكيم دولية، والإسهام في بحوث نقدية محكمة باللغتين: العربية والإنجليزية، وترجمة أعمال نقدية إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى العمل على الانتهاء، من إصدار كتابي النقدي الجديد، الذي يتناول التحوّلات في السرد العربي المعاصر. من أهدافي القادمة، إطلاق مبادرة تهدف إلى دعم الكتّاب الشباب، وترجمة أعمالهم إلى لغات أخرى، لإبراز الوجه الإنساني للأدب العربي.