“وجهان” للأديبة والناقدة د. درية فرحات
قصص قصيرة.
-“في مجموعتك القصصيّة الجديدة وجهان، يتجلّى العنوان وكأنّه إشارة إلى ازدواجيّة ما، ربما في الشّخصيات، أو في الواقع الذي تطرحين قضاياه. كيف تعكس قصص المجموعة هذا المفهوم، وما الذي دفعك لاختياره عنوانًا لعملك؟”
وجهان لأنّ في أعماقنا يعيش عالمان متناقضان، لا يظهر أحدهما إلا حينما تتناثر الأضواء، ما يولّد ازدواجيةّ فينا، والازدواجيّة هي سمة كل ما هو بشريّ، نقاتل لأن نكون كل شيء، بينما نتجاهل كل شيء آخر، ولا تقتصر الازدواجيّة في الشّخصيات فقط، بل ربما في كلّ ما نراه حولنا، لهذا يكون علينا الاختيار بين وجهين مختلفين، وأنّى توجّهت نرى التّوازن غير المستقر بين الخير والشّر، بين الحقيقة والخيال، بين الحقّ والباطل، بين وجهات النّظر المختلفة، ولكلّ منا برهانه ودليله، قد تعلو كفّة وجه على آخر، وقد يملك أحدهما القوّة لتحقيق مراده.
وقد اخترت هذا العنوان لأننا نعيش في واقع مزدوج تتشابك فيه الأضداد، وما من حقيقة ثابتة، فينبثق الصّراع بين ما هو ظاهر وما هو مخفيّ، فنحتاج إلى البحث عن التّوازن بين الطّرفين.
-كناقدة نراك دائمًا ناشطة وحاضرة في كل نشاط تشاركين في إبداء رأيك وإعطاء ملاحظاتك عن الكثير من الأعمال الأدبيّة. ككاتبة كيف تستفيدين من نقدك الذّاتيّ ومن آراء وملاحظات الآخرين لكِ وكيف تطورت رؤيتك السّرديّة من خلالها .
الشّكر لك على هذا التّوصيف الذي أرجو أن أكون قد حقّقته، وسعيت إليه، لأترك بصمة في الواقع الأدبيّ، وما الحياة إلّا مسيرة متواصلة آخذ من الأخرين وأعطي في المقابل، وهذا التّثاقف الضّروري المطلوب. وإذا وُفقت في أن أُعطي الآخرين، فمن الطّبيعي أن أُعطي نفسي، مع الإشارة إلى أنّه في لحظة ولادة الإبداع أعيش لحظة الإلهام والخلْق الأدبيّ، ولاحقًا قد يدخل الحسّ النّقديّ عندي فأقرأ ما كتبت من هذه الزّاوية.
وفي سؤالك إشارة إلى هذه العلاقة بين النّاقد والمبدع، واستطيع القول مهما قال المبدع بأنّه ليس معنيًا بما يقوله النّاقد، وأنّه أسير إبداعه، فهذا وجه من وجوه الحقيقة، لأنّ ما يُقال من نقد سيحفر في لا وعي المبدع بئرًا يغرف منه من دون أن يشعر، فنحن نتأثّر بما حولنا، ونحاول دائمًا أن نرضي الذّوق العام، والنّاقد جزء من هذا الذّوق العام، خصوصًا إذا امتلك الذّائقة الجميلة والزّاد النّافع من مناهج النّقد.
-“في وجهان، كيف وظّفتِ التناقضات في الشخصيات أو الأحداث لإبراز العمق الإنساني؟ وهل هناك قصة معينة تشعرين أنها تمثل جوهر المجموعة بشكل خاص؟”
بدءًا من ختام سؤالك، ربما نرى أنّ القصّة التي حملت عنوان “وجهان”، هي التي أوحت بترسيخ عنوان المجموعة، ومن هنا أضفت عنوانًا فرعيًّا “ووجوه أخرى”، وذلك للتّعبير عن كل الاحتمالات الواردة، والتّناقضات التي نعيشها، فكان التّناقض بين ما تريده المرأة وما يفرضه عليها المجتمع، وهذه المرأة التي تعطي من دون مقابل، السّاعية إلى التّغيير، وقد يكون التّناقض بين الماديات والرّوحانيّات بين شهوات الدّنيا والتّحليق في عالم العرفانيّة، بين الرّياء والشّفافيّة، بين اليأس والأمل، وفي كلّ ذلك تعبير عن العمق الإنساني.
-“إلى أي مدى تعكس قصص وجهان واقع المجتمع اليوم؟ وهل استلهمتِ شخصيّاتها من تجارب حقيقيّة أم أنّها ولدت بالكامل من الخيال؟”
إنّ قصص المجموعة أن تعكس بشكل أو بآخر واقع المجتمع اليوم، فهي تعالج التّحديّات والصّراعات النّفسيّة والاجتماعيّة التي يواجهها الأفراد في حياتهم اليوميّة. فعين القاص تلتقط من الحياة كلّ التّحدّيّات والتّوترات بين الحياة الشّخصيّة والمهنيّة، الصّراعات الدّاخليّة، والتفاوتات الاجتماعية التي يمكن أن تكون موضوعات رئيسية في مثل هذه القصص.
ومع ذلك فلا نغفل أنّ للخيال دورًا، فغالبًا ما تكون الشّخصيّات خليطًا من الخيال والتّجارب الحقيقيّة. الكتابة الأدبيّة تتطلب مزيجًا من الابتكار والتّأثر بالواقع، حيث يمكن أن يستلهم القاص والرّوائيّ بعض الجوانب من تجارب الأشخاص الحقيقية أو من مشاعر قد يكون قد مرّ بها في مرحلة معينة من حياته. لكن هذه الشّخصيات في النّهاية قد تكون متخيّلة بشكل كامل أو مجتزأة قليلاً لتناسب السّياق الأدبيّ والدراميّ الذي يرغب القاص في خلقه.
-كيف تجدين جمهور وقرّاء القصة القصيرة والكتاب الورقيّ في زمن تكاثرت فيه المساحات الإلكترونيّة التي تؤوي القراء.
إنّ جمهور القصّة القصيرة وقرائها يعيشون الواقع الجديد الذي بدأ يجرفنا إلى السّرعة والوصول إلى المراد بأقصر السبل، لهذا ربما باتت المساحات الإلكترونية تلبي الحاجة من دون صعوبات أو بذل المجهود للبحث عن الكتاب الورقيّ، وبالنّهاية إن كانت القراءة ورقيّة أو ألكترونية فإنّ محبّي القصة القصيرة مستمرون، لأن الحاجة إلى قراءة الإبداع هو في عمق الوجدان الإنسانيّّ، فيه يعيش عالمه المؤلم أو يبحث عن الملاذ، أو قد يتماهى مع القصّة والرّواية بحثًا عن حلّ لما يواجهه، وبما أنّنا تحدّثنا عن الازدواجيّة، فإنّنا سنظلّ مع ازدواجية الورقيّ والالكترونيّ، وعلى الرّغم من يسر الالكترونيّ -نوعًا ما- فإنّ البعض يعيش مع لذّة القراءة الورقيّة والإحساس مع العمل في تقليب الصّفحات.
-برأيك ما هو مستقبل الكاتب في زمن الذكاء الاصطناعي؟
مسألة الذّكاء الاصطناعي ما زالت مسألة تشوبها الكثير من التّكهنّات، وهي تحمل التحدّيّات خصوصًا مع تطوّر الأدوات والبرمجيّات القادرة على المساعدة في الكثير من المهام، ومنها ربّما كتابة النّصوص، لكن يبقى للكاتب الدور الحيويّ، فالذكاء الاصطناعيّ قد يكون قادرًا على إنتاج نصوص بأشكال مختلفة، لكنّه يظل محدودًا عندما يتعلّق الأمر بالإبداع العميق، الأسلوب الشّخصيّ، وفهم السّياقات الثّقافيّة المعقدة التي يتطلّبها الأدب. الكتابة الإنسانية، خصوصًا في الأعمال الأدبية والفلسفية، تحتاج إلى قدرة على التّعبير عن المشاعر والأفكار التي تلامس الإنسان على مستوى عميق.
-متى سيكون توقيع الكتاب؟
إن شاء الله سيكون توقيع الكتاب في معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب في دورته 66، وإن شاء الله عندما يتحدّد اليوم بدقة فأنتم وجمهور القصة مدعوون لهذا التّوقيع، ويشرّفني حضوركم، فبوجودكم والتفافكم يستمر الإبداع. واسمحي لي أن أقدّم لك الشّكر الجزيل على هذه المقابلة التي تسهم في دفعنا إلى التّألق والمتابعة.
يمكنكم تصفّح العدد الأوّل من جريدة الأندلس الأدبية بالضغط على هذا الرابط…