كنت قد تعَوّدت منذ طفولتي على ارتداء الفساتين القصيرة التي تكشف أنوثتي من دون أن أشعر أن ذلك يتخطى حدود الأناقة أو الحشمة على الرغم من أنني كنت أُنتَقَد من قبل الكثيرين ممّن حولي كما في أيّ مجتمع تتعدد فيه المعتقدات والديانات والطوائف ووجهات النظر ولكن، كنت أجد تلك الانتقادات وليدة تخلّف وجهل وتعصّب وتزمّت كما أنني لم أرَ في ذلك اللباس أي عيب أو إدانة. كان ذلك في مطلع أنوثتي حتى بعد أن أصبحت أمًّا لم أشعر بالنضوج الكافي الذي يُشعرني بأنني “امرأة”. لازمتني الطفولة وجعلتني أعتقد أن ارتدائي الفساتين القصيرة والثياب الشفافة لا يُظهر تضاريس جرأتي وإنّما يعكس شقاوة الطفلة الأم فحسب.
ونتيجة بعض التقلبات في حياتي، قرّرت أن اتغير مع الأحداث لأتناسب معها فقمت بتعديل الكثير من سلوكياتي ومنها طريقة لباسي، ربما جعلته أكثر حشمة ورصانة.
كان هذا التغير نابعًا من قناعاتي ومن إحساسي بالمسؤولية تجاه نفسي وجسدي فصرتُ أنظر إلى صوري القديمة وأشعر بالخجل منها أمام عمري.
كنت كلّما نظرت إلى صوري تذكّرت مواضيع التحرش اللفظي الذي كنا نطرحه للمعالجة في الكثير من البرامج التيليفزيونية واللوم الموجّه إلى الرجل ودعوته لغض النظر وتعرية المرأة دائما من كل ذنب، فوضعت نقطة حمراء حول اسلوبي في إظهار أناقتي وإدانة نفسي عند الكثير من مواقف التحرش اللفظي التي تعرضت لها كأي فتاة متحررة أو “مزنطرة” وخطّا أصفر تحت مبدأ انه علينا فهم تكوين البشر والصياغة الفيزيولوجية التي ينحتها الانجذاب الكيميائي ويحدد المقاييس والمعايير التي تميز بين الرجل والمرأة،كما علينا وبالدرجة الأولى ان نحافظ على خصوصية الجسد وعمومية المبادئ والقيم.
اليوم أعيش في بيئة مختلفة جدّا، جميع النساء متشابهات، لا نظرات تطارد مشيتهن ولا التفاتات تعثّر خطواتهن ولا دعوات تلقي عليهن شباك الصيد ما لم تغمز إحداهن بانوثتها.
تجعلني العباءة اكثر تحررا من الداخل وأكثر إحساسا بالأمان. وتمنيت لو أنني استطيع البقاء في داخلها حتى تتخمّر روحي بين ضلوع السكينة.
أنا لا أدين المرأة ولا ادين الرجل، بل أدين تصرّفات ذواتنا التي تحتاج أحيانا للابتعاد عن بعض الأشياء حتى تميّز الصح من الخطأ، أو ربما تضع معايير جديدة لهما آخذة بالحسبان المحيط والبيئة والثقاقة التي من المستحيل فصلها عنها .
يحدث لي الآن أنني ابتعدت كثيرا، كثيرا جدا عن كل شيء حتى انكشف الضباب عن رؤيتي وصرت أرى الأمور من منظار أكثر عمقًا، مثلًا: سألت نفسي:
لماذا دائما نحاول تجميل الأشياء في نظر الآخر لنسمع كلمات الإطراء والإعجاب ولا نسعى لذلك من أجل أنفسنا،لماذا غالبا ما نهتم بصالون الضيوف أكثر من الغرفة التي نتعرى فيها أمام مرايانا، لماذا نهتم بالثياب التي نرتديها للقاء الغرباء أكثر من تلك التي ننفرد بها مع أنفسنا، لماذا نتكلّف على موائد الضيوف أكثر من تلك التي ندعو إليها عوائلنا.
اليوم أعيش تجربة مختلفة، أهتم بمنزلي رغم علمي أنه ما من زائر سيُسمعني كلمات الإطراء والإعجاب به، أرش العطور وأشعل البخور وأنا أعلم أنه ما من أحد سواي سيشرب النكهة، ادلّع نفسي وأطهو الأكلات التي أحبّها على الرغم من أنّه ما من احد سيشاركني اللذة،
أتزيّن أمام مرآتي وارتدي اجمل ما لديّ لكي اذكّر نفسي أن كل النساء جميلات، وحين أخرج من المنزل أتستّر بعباءة الضوء وانطلق نحو حلم جديد.
ما أردت اختصاره في هذا النص الطويل، هو ان نبحث عن المعنى دائما في كل ما نقوم به ونسأل عن هدفنا منه وما الذي سنحققه من خلاله. الغايات لا تبرر الوسيلة إنما تجملها. فلنجعل الغاية أم الوسيلة التي تراقبها وتحرص على وقوعها في فخ الأخطاء ولنرفع رؤوسنا دائما كلما أردنا النظر إلى أعماقنا.
ناريمان علوش