مجتمعنا وثقافته السائدة هو التربة
الخصبة التي يترعرع فيها الشعور بالدونية !!
اعداد : الإعلامي محمد عمرو
الشعور بالدونية.. عبارة شائعة الاستخدام في أيامنا هذه، والشعور بحد ذاته له حدوده الطبيعية عندما يظل محصوراً في مجالات محددة بين الأشخاص، ولكنه يتخطى حدود السواء عندما يشمل أشخاصاً بعينهم، كأن أقول: “أشعر بالدونية تجاه فلان من الناس.. أو أنني دون عنه”.
يقول بيير داكو في كتابه (الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث): “يصبح هذا الشعور عصاباً متى أثار الألم والخجل والحصر والخوف والعداوة والعدوانية والحاجة المعذبة في تجاوز الآخرين وقيادتهم، وفي أن يكون له الصدارة بينهم، وفي إذلالهم..إلخ.
إن الشعور بالدونية يصبح استجابة شخصية برمتها أمام أي فرد كان وفي أي وضع، فهو عندئذ (اتجاه نفسي) يتصف بأنه شعوري أحياناً، وتحت شعوري في غالب الأحيان، ولكنه يوجه سائر أعمال من يصاب به.”.
وتتعدد الأسباب المؤدية إلى خلق الشعور بالدونية واستمرار تفاقمه إلى الحد الذي يشكل معه حالة العصاب لدى الشخص، ولكن العنوان العريض الذي تندرج تحته هذه الأسباب هو أسلوب التربية المتبع في البيوت والمدارس، الأسلوب القائم على زرع الفشل في أذهان الأطفال، والتعامل معهم على أنهم فاشلون حتى يثبتون العكس، استخدام صيغ التفضيل بين الأطفال والإخوة بشكل دائم، حالات العقاب المبالغ فيها وغير المتناسبة مع (الإثم) المقترف، القسوة في التعامل وحالات نقص الحنان الحادة، حالات التفضيل بين الطلاب في المدارس تبعاً لحالات مستوى الذكاء لدى الأطفال أو حسب وضعهم المادي…إلخ.
وباختصار، ينتعش الشعور بالدونية وما يستتبعه من عقد التفوق في المجتمعات التي تقوم ذهنيتها بشكل مباشر على مفاهيم إلغاء الآخر ورفض التنوع والترويج للعنف بكافة أشكاله وصوره.
وتأتي آلية التعويض المتبعة لتجنب الألم الذي يسببه الشعور بالدونية، وهي آلية ستقودنا بالضرورة إلى ما يسمى بعقدة التفوق، وهذه العقدة قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى أن الفرد المصاب بالدونية سيتمكن من تحقيق عدد من (النجاحات) تكون كفيلة بتأمين جو مزيف من الأمان قابل للتلاشي مع أول موقف يوضع فيه هذا الشخص مع مصادر دونيته الحقيقية، لا سيما أن مجمل سلوكيات آليات التعويض تأخذ طابعاً عدوانياً بحثاً عن ما يسمى بالسلطوية الخفية، أي الرغبة بالسيطرة وقيادة الآخرين، أو الهزء والسخرية منهم، والحط من قدرهم، ورشقهم بمجموعة من التهم الجاهزة والصفات السلبية، كل ذلك كي يحقق المصاب لنفسه إحساساً بالارتقاء والتفوق من دون أي يبذل أي جهد حقيقي، وكأنه يقول في ما بين السطور: “انظروا إليّ، أنا لست مثلهم..”، وهذا ما يعرف بعلم النفس بتقنية الإسقاط، أي إلقاء التهم على الآخرين بهدف دفعها عن الذات. ولكن تجدر الإشارة إلى أن معظم آليات التعويض لدى الشخص المصاب بالشعور بالدونية، ولدى العصابي إجمالاً هي آليات لا واعية، ولا فائدة ترجى من كشفها للعصابي إن لم يكن هذا الكشف عن طريق مدروسة للغاية تحددها تقنيات علم النفس والتحليل النفسي.
ولا نستطيع القول إلا أن مجتمعنا وثقافته السائدة هي تربة خصبة لترعرع الشعور بالدونية والأعصبة الناشئة عنه، ابتداء من نسق التربية القائم على تحبيط الطفل وتعزيز شعوره بالخوف وحاجته المستمرة لحماية ونصائح وأوامر (القيّمين) عليه، مروراً بنشر طرائق تفكير وحياة تحكمها صيغ التفضيل التي تتجاهل معيار القيمة الأساسي للإنسان وتنحو باتجاه معايير الطبقة والنفوذ والجنس والدين وطوائفه، وانتهاءً بزرع فكرة مفادها بأنني أنا الوحيد الذي على صواب وغيري على خطأ، أنا المتحضر وغيري هو المتخلف، أنا الوحيد العالم وغيري هو الجاهل، أنا هو المؤمن وغيري هم الكفرة، أنا هو الأخلاقي والآخر هو المنحلّ، أنا هو من يجب أن يأخذ فرصته،الذكي، المتفوق، القوي، الصالح، التقي…. أنا.. أنا.. أنا..
معنى دُونِيَّة في المعجم: اللغة العربية المعاصر :-
مصدر صناعيّ من دُون : خِسَّة ودناءة .
• عُقدة الدُّونيّة : ( علوم النفس ) الشعور العميق والمستمرّ عند الفرد بدونيّته وعدم كفايته وانحطاط قدره ، وهي عقدة نفسيّة تنشأ عن الصّراع بين النُّزوع إلى التميُّز ، والخوف من التثبيط الذي كان الفرد قد عاناه في الماضي وفي حالات مماثلة .