ينتمي إلى المدينة الصغيرة التي تتسع لمليون شاعر “عامودا” ، مجنون بإبداعه وشغفه بالشعر واللغة، يحيا في ريف قصيدته فيشرب نسيمها الرومانسي إلى أن تتراءى له أنثى القصيدة فيكتبها كما يحلو لمزاجه الدافئ، ويلوذ بأناه الشامخة ضوءًا وإبداعًا وثقافة إلى أن يتمرّد المعنى خارج النص. هو الذي يمتطي صهوة قهره مسافرًا إلى عينيها التي رسمتها ظلال الكلام. إنّه الشاعر المبدع جميل داري.
حوار ناريمان علوش
– أستاذ جميل حضرتك انتقلت من القرية السورية إلى القرية الإماراتية، كيف تصف تلك المسافة الفكرية بين القريتين وما الذي اكتسبته من وجودك في هذا البلد وكيف أثّر ذلك على مخزونك الفكري؟
بصراحة هذا سؤال غير متوقّع أبدًا ولم أتصوّر أنّني سأتعرّض يومًا لهذه التجربة القاسية وهذا السؤال العويص صراحةً. الانتقال من قرية إلى قرية، وأنا من مدينة صغيرة اسمها “عامودا” في سوريا، يطلق عليها “مدينة الشعراء والمجانين”، عدد سكانها يبلغ الثلاثين ألفًا، لكن أحد الظرفاء قال إنّ “عامودا” بلد المليون شاعر، يعني أنّه حتى الأجيال القادمة التي ستأتي سوف تكتب الشعر. “عامودا” هي مدينة الثقافة والسياسة ولها مكانتُها لكنها هُمّشت لأسباب كثيرة. انتقلت من عامودا لأن مزاجي هو مزاج ريفي، أميل إلى الطبيعة والرومانسية والهدوء، لذلك كانت بداياتي الأدبية مع الرومانسيين بالدرجة الأولى، تعرّفت إلى ميخائيل نعيمة وجبران والشابّي، إلى هؤلاء الرومانسيين الذين رسّخوا تصوّري عن الحياة، فعرفتُ أنني أمشي بشكل سليم وما زالت هذه النظرة راسخة فيّ إلى حدٍّ ما. المدينة لم تستطع أن تأخذَ مني شيئًا، ولم أستطع أن أعطيها، فأنا في حالة انفصام، صحيح أنني أعيش فيها جسدًا لكنّ روحي هائمة مع الفنّ القديم مع “العقلية القديمة”، وحين انتقلت من هناك اعتقدت أنني سأجد نفسي في عالم صاخب في مدينة دبي الكبيرة التي يتيهُ فيها الإنسان، عُيّنت في قرية صغيرة أيضًا، أصغر من “عامودا”، لم اتأقلم معها في البداية بسبب شدّة الحر قبل ٢٥ عاما، فقد جئت إليها في الشهر التاسع، لكنني تأقلمت مع الجو الريفي، حيث الجبال والأشجار والسماء و في الليل أرى القمر، يعني صورة أخرى عن “عامودا”، لكنني كنت أتخيّل نفسي نوعًا ما في منفى، والدليل على ذلك أنني كتبت قصيدة صغيرة عن القرية التي عُيّنت فيها، أذكر منها بعض الأبيات فأقول:
أتيتُ إلى المنيعي دون رغبةْ
فهذي القريةُ السوداءُ صعبةْ
ثمّ بعد ذلك انسجمت مع هذا الجوّ فحوّرت البيت وقلت:
أتيتُ إلى المنيعي بالمحبّةْ
فهذي القريةُ البيضاءُ لُعبةْ
حتى هذه اللحظة ما زلتُ مزاجيّا ورومانسيًّا، مشاعري مع الطبيعة، القِيَم القديمة التي تنقرضُ أمام عيني ولا أستطيع أن أفعلَ لها شيئًا. الصدق، الأمانة، المحبة، الأمومة والطفولة. أرى أنّ هذه الأشياء كلّها تتلاشى أو على وشك أن تنتهي من حياتنا. لذلك أرى نفسي غريبًا عن العالم وغريبًا عن نفسي فكتبتُ بيتًا:
وهذا البيت لو لم أكتبه لكنت تمنّيتُ أن اكون كاتبه. وأنا لا امدح شعري إلا هذا البيت فاسمحوا لي بذلك: قال مازحًا.
أمرُّ بي لا أراني مرورَ أعمىً بثاني
هذا البيت نوعًا ما يعبّر عن واقعي النفسي حتى أنني لم أعد أرى نفسي، من أنا؟ هل أنا جميل الذي كان في سوريا يضجّ شبابًا و فرحًا ومرحًا وعطاءً وتدريسًا، أم جميل الحالي الذي دبَّ فيه اليأس ودبّ فيه القنوط، كنت دائما اعرّف طلّابي على ناظم حكمت، أجمل الأيّام تلك التي لم تأتِ بعد، واجمل القصائد تلك التي لم تُكتب بعد، وأجمل الأطفال من لم يولد بعد، ولكن يا للأسف هذا الكلام لا أساس له من الواقع ، فأجمل الأيام تلك التي مضت، وأجمل الأطفال هم الذين ولدوا قبل هذا الزمن، ليس زمن كورونا، كورونا بريئ وإنّما هناك عوامل كثيرة اجتماعية وسياسية واقتصادية أدّت إلى هذا الوباء الذي كان يُمكن مواجهته بطريقة او بأخرى، ولكن كيف نتعامل مع هذه السّيول الجرّارة من الفساد والنفاق الخ…
سؤالك عميق جدّا وربما يحتاج إلى إجابة أكثر توسّعا.
– ما هي القصيدة التي تمنّيت أن تكون كاتبها؟ ومن الشاعر الذي كتبها؟
أنا وجدت نفسي مع الشِّعر ومنذ بداياتي لم أفرّق بين أنواعه، يعني أنني عندما كنت طالبًا في الثانوية كنت أقرأ للجواهري بنفس الشغف الذي كنت أقرأ فيه لمحمود درويش. الجواهري يكتب التقليدي ومحمود درويش يكتب التفعيلة. كنت اقول كلٌّ له طريقته، كلٌّ، له نفَسُه، كلٌّ له جمالُه. وعندما تعرفت فيما بعد حين دخلت الجامعة على قصيدة النثر والماغوط وأدونيس، لم أندهش وتقبّلت هذا الشيء. إذن أنا اتقبّل كلَّ انواع الشِّعر وليس عندي شاعر مقدّس، فلكل شاعر أخطاؤه وخطاياه، بل احبّ بعض القصائد لهم. يعني أنا مثلًا في مراهقتي وفي شبابي ككل أبناء الوطن العربي كنت أقرأ لنزار قبّاني، ثمّ بعد ذلك اكتشفت أنّ نزار يكتب للمراهقين، يكتب للجيل الجديد، فكلّما نكبر في العمر نبتعد عن شعر نزار قباني، وهذا يعني أنّه ليس من الشِّعر الخالد.
-إلى أين أخذك النضوج؟ إلى أيّ شاعر؟
أخذني إلى محمود درويش بالنسبة للشعر العربي وذلك لأنّه كان يتطوّر من قصيدة إلى قصيدة، ومن ديوان إلى ديوان. فهو كإبن القضيّة الفلسطينية كان يطرح هذه القضية ولكنها ليست السبب في شهرته، والدليل أنّ هناك الكثير من الشعراء الذين تكلّموا في شعرهم عن القضية وربما كانوا أعنف منه كسميع القاسم وتوفيق زيّاد وآخرين… لكن محمود درويش استطاع أن يتطوّر من ديوان إلى ديوان إلى درجة أنّه قال:
“أريد أن اتخلّى عن دواويني العشرة الاولى “.
أي عن بداياته الشعرية التي كانت في نهاية الستينات.
ثمّ بعد ذلك صار يكتب عن التأمّلات وعن الوجود الفلسفي للإنسان وعن مرضه أيضًا. فقد أصيب بمرض القلب وقد أجرى أكثر من عملية واحدة، وكتب من وحي ذلك ديوانه الجداريّة . لقد سُئلت مرّة هنا في إحدى الأمسيات هنا في الإمارات:
لو أنّهم أرسلوك إلى القمر وطلبوا منك ان تأخذ معك ديوانين لشاعرين فمن تختار؟
أجبتهم أنني سأختار المتنبي ومحمود درويش، والسبب أن المتنبي يمثّل كلَّ الشعر العربي القديم، أي أنني أقرأ لكل الشعراء العرب القدماء من خلال المتنبي وأقرأ لجميع الشعراء المعاصرين من خلال محمود درويش. وأنا ما زلت حتى الآن مغرمًا بهذين الشاعرين وببعض القصائد لشعراء آخرين.
-هل هناك من يشبههما الآن، أي المتنبي ومحمود درويش؟
لقد حاول الكثيرون الوصول إلى مستوى المتنبي ولكنهم لم يستطيعوا. مثلا أحمد شوقي قلّد المتنبي بشعر معارضات لكنّه لم يستطع أن يصِل إلى مستواه ولا إلى مستوى أي شاعر عربي قديم فظلّ شاعرًا تقليديّا أما المتنبي لم يكن تقليديّا، فكان يقلّد نفسه، كان مبتكرًا، في لغته،في صوَرِه، في تجربته وفي حياته. لهذا السبب بقي حتى الآن، بينما انطفأ الآخرون الذين قلّدوه كأحمد شوقي والجواهري وغيرهما ممّن لم يكن لديهم البريق والشعاع الذي كان لدى المتنبي. وطبعًا أستطيع ان ادافع عن وجهة نظري من خلال الكثير من أبيات المتنبي وكذلك محمود درويش.
-هل برأيك جميع الشعراء مجانين؟
إذا لم يكُن الشاعر مجنونًا فهو ليس شاعرًا. ليس فقط الشاعر بل المبدع، أي الجنون الإبداعي في التمرّد والمعارضة،لأن الإنسان الذي يخالف المألوف هو بنظر الآخرين مجنون، كما جاء في مسرحية نهر الجنون لتوفيق الحكيم. غوركي يقول جئت لهذا العالم كي أعترض. جاليلو حين خالف الكنيسة وقال الارض تدور حكموا عليه بالحرق، فقال صديق له يبلغ سبعين عاما: ” تراجع عن رأيك قبل ان يحرقوك” . حينها قال في المحكمة: “وكما قالت الكنيسة فإن الأرض لا تدور…” وحُكم عليه بالبراءة. وبينما كان خارجًا من المحكمة قال لصديقه:
” ومع ذلك فإنّ الأرض تدور…”
دائمًا الإنسان الذي يعارض قيم المجتمع الفاسدة والرتيبة يُتّهم بالجنون.
كذلك النبي محمد (ص) قد وصفوه بالشاعر المجنون لأنه خالف قُريش في تصرّفاته، في مواقفه وفي قرآنه… فالشاعر مجنون بهذا المعنى…
-ما الذي يغذّي جنون الشاعر؟ جمال المرأة أم الحب أم الوجع… ؟ما هو الشيء الأكثر إشعالًا لهذا الجنون؟
لا بدّ من أن يكون هناك دافع للشاعر كي يكتب بأسلوب جميل، والمرأة هي أحد اهم هذه الدوافع. لذلك هناك ديوان لآراغون عنوانه عيون إلزا. إلزا كانت حبيبته. ولكل من الشعراء القدماء كان هناك حبيبة، عنتر وعبلة، مجنون ليلى، إبن زيدون وولّادة… حتى المتنبي الذي لم يكُن يحب النساء ويرغب فيهن له قصائد في الغزل. يعني يتمنى لو كان عاشقًا لكن يبدو أنّ مزاجه لم يكُن كذلك فهو يخالف الشعراء.
إذا لم يكن وراء الشاعر امرأة حقيقية، وليس وهمية او سديميّة أو ضبابيّة فلن يدوم شعره. كنزار قباني حين قال:
“لقد احببت عشرين الف امرأة”.
مثل هذا الكلام السخيف كيف سيؤثّر فينا؟ كيف تحب عشرين الف امرأة؟
– ربّما تجتمع كل تلك النساء في امرأة واحدة فيراها في كل مرّة مختلفة ومتجدّدة…
ربّما وضع نزار يختلف فهو ليس كذلك. فالشاعر الذي تلهمه امرأة لا يعبّر عنها من خلال التغزل بجمالها وجسدها بل من خلال نظرته إلى الكون. بدر شاكر السيّاب حتمًا كان في ذهنه امرأة ما يقول :
“أنا احببت الكثيرات، ولا واحدة أحبّتني”.
ومن ثم أضاف ضاحكًا:
كان المسكين، بشعًا مثلي.
لدى شاكر السياب قصيدة عن المرأة، عن العراق، عن الإنسان، عن المستقبل عنوانها أنشودة المطر. ليس فقط شكلها التفعيلي ما جعلها مرجعًا يُقلّد وإنّما الرؤى السيّابيّة فيها.
بدأ ب” عيناكِ”… لا يهمّني عينا من، قد تكون عينا أمّي او أختي… ما يهم أنّ هناك امرأة عظيمة خلفه.
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر.
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء… كالأقمار في نهَرْ
حيث يوجد في تلك الغابات السحر والطلاسم والمجهول، يعني صورة عن الحياة.
-هل يمكن للقصيدة أن تجدّد دهشتها وجمالها إذا كانت دائما موجّهة لامرأة واحدة وحب وحيد؟
الشاعر المتمكن يستطيع أن يعبّر عن موقفه من المرأة بأكثر من طريقة وأكثر من أسلوب، ومحمود درويش فعل كذلك، أظنّه بدأ من أمّه(أحنّ إلى خبز أمّي) ثم إلى ريتا (ريتا والبندقيّة) ثم إلى باقي القصائد.
ليست هناك امرأة من لحم ودم في حياة محمود درويش، ربّما كانت موجودة في حياته ولكن ليس في قصيدته امرأة محدّدة. كما أستطيع أن أجزم أن المرأة وراء ما كتبه محمود درويش بهذه الطريقة او تلك. فتبقى المرأة ثابتة والإبداع متغيّرا.
-اليوم نشهد انفتاحا واسعا في عالم التكنولوجيا وفي التواصل بين الثقافات المتعدّدة، ومن مختلف المجتمعات، هذا التواصل والتعارف بين الأدباء والشعراء الذي يتم عبر وسائل التواصل كيف وماذا يضيف للقصيدة وللشعر؟
طبعا مواقع التواصل لها إيجابياتها وسلبياتها. ومن سلبياتها انها تقضي على الكثير من وقت الإنسان ومن وقت مطالعاته وخصوصيّاته وكتاباته. أنا نفسي أنجرف احيانا إلى هذا العالم فأجد نفسي قد أضعت الكثير من الوقت مع شعراء هم دون المستوى الذي أريده، لن اقول دون مستواي.
فمعظم ما نقرأه في وسائل التواصل هي تطفلات على الشعر، هي قشور الشعر وأنا أبحث عن اللّب وعن الجوهر. وإلّا لماذا أعود إلى محمود درويش والمتنبي لو أجد ضالّتي في مواقع التواصل. لا ننكر أنها تعرّفنا على وجوه جديدة وقامات إبداعية ولكنها نادرة، هي موجودة وجميلة ولكنها نادرة ولم نكن نعرفها قبل ذلك.
يعني عن الأدب المغربي حتى الآن ما زال مجهولًا شعرًا ونثرًا ورواية. ولكن من خلال اطّلاعي على بعض النماذج من المغرب والجزائر وتونس عبر وسائل التواصل أدركت أن هناك الكثير من المبدعين والمتميزين. فهذه الوسائل تعرّفنا على الغثّ والسمين وما يهمّنا هو اصطياد الثمين.
– منذ بدء جائحة كورونا تحولت الأمسيات والندوات والمهرجانات إلى إلكترونية، هل تشجّع هذا النوع منها؟
أشجعها ولكن إلى حد معيّن. فأنا أدعى إلى الكثير منها ولكنني أعتذر . فمن خلال تجربتي معها وجدت أنهم يفرطون في مدح الضيف ولا ينتقدونه. هنا يفرح الضيف بهذا المديح ولكنه يتأذى منه، فهم لا يشيرون إلى الأخطاء أبدا وقد حصل ذلك أمامي في إحدى الندوات الإلكترونية التي ناقش فيها أدباء كبار رواية لكاتبة تونسية، وكنت قد اطّلعت على تلك الرواية ووجدت فيها الكثير من الأخطاء في الأسلوب والأفكار واللغة، إلّا أن الدكتور الذي تحدّث عنها لم يذكر أي من تلك الأخطاء لا بل تمادى في مديحه وذكر الإيجابيات غير الموجودة. حينها لم أشأ إزعاج أحد ولكنني قلت إن الرواية جميلة ولكن حبّذا لو تصوّب بعض الأخطاء ومن ثم أشرت إليها.
-هل هذه الغيرة على اللغة وعلى القصيدة والأدب، تحدّ من علاقات الشاعر الاجتماعية؟ يعني حين تكون صادقًا في رأيك هل ذلك يخسّرك الكثير من العلاقات الثقافية والاجتماعية ؟
نعم، فقد اقتنعت أن الشاعر او الأديب العربي لا يتقبّل النقد البنّاء والهادف، بل يرغب في سماع المديح والثناء دائما مع ان ذلك لن يفيده ولن يضيف له شيئا. وحده النقد البناء هو الذي يفيده حتى ولو كان جارحًا. كبعض العمليات الجراحية تماما إذا لم يتمّ إجراؤها ستتسبب بموت المريض أو المصاب.
لذلك انا بصراحة مجاملتي قليلة وهي واقعية حقيقية ونقدي السلبي هو الغالب، البعض يتقبّله والبعض يرفضه والقافلة تسير.
-إذا وجّه إليك أحد الشعراء الأقل منك خبرة ومعرفة نقدًا ما وكان ذلك النقد في موقعه. ماذا تكون ردّة فعلك وكيف تتعامل مع هذا الموقف؟
طبعًا انا من دواعي سروري أن أُنتقد في عيوبي وفي أخطائي، من الأكبر ومن الأصغر، لأنّه في المحصّلة قصيدتي هي الرابحة. ففي بداياتي حين كنت طالبًا جامعيّا كان في عامودا شيخ يوجّهني في النحو والشعر، فأعطيته نصّا وطلب مني أن أقرأه فقلت :
إذا كان طولُ بقائي يُشكّلُ خوفًا عليكِ فأنّي سأحمل نفسي وأرحل
وأنّي سأركب ناقة قهري وأضرب في أفق حبّي المكبّل
فقاطعني وقال:
“بس بس بس”
وبدا بالضحك كثيرا وحين سألته عن السبب أجاب :
ناقة قهري؟ وهل في عامودا ناقة؟
يجب ان تستمد صور قصيدتك من البيئة المحيطة بك وأنت لا تعرف الناقة ولم ترها إلا في خيالك.
وطلب مني أن استبدل “ناقة” ب “صهوة”.
ومنذ ذلك اليوم وأنا اتمنى أن أجد من يهاجمني وينتقدني بشدّة كي أشذّب قصيدتي من خلال عيون الآخرين.
-ما هي النصيحة التي توجّهها إلى شعراء الجيل الجديد؟ ماذا تقول لهم؟
أقول لهم، قبل كل ذلك عليهم أن يتقنوا ألف باء اللغة العربية، لغتهم سقيمة، سواء في الإملاء او في النحو وما إلى ذلك.
ولا أطلب منهم الصور المبتكرة والخيال الجامح، فما نفع الصور المبتكرة والخيال إذا كانت اللغة سقيمة، لا تميز بين المرفوع والمنصوب والفاعل والمفعول. إذن طالما أنك تمتلك تلك الموهبة والخيال فلن يضرّك إن تعبت سنة او سنتين حتى تتقن اللغة. لذلك أرى معظم الشباب وخاصة النساء للأسف، لغتهم ركيكة، وخاصة في عالم الانترنت حيث يستسهلون الكتابة بدون الهمزة على الألف والتغاضي عن الكثير من الحركات والحروف التي يشوّه حذفها قواعد اللغة.
– وما رأيك في التعليقات التي تكتب تحت تلك المنشورات من أشخاص لا يفهمون في الشعر أصلا؟
أنسبها إلى باقي الفساد المتفشّي في العالم، فالفساد الأدبي صار جزءا من الفساد العام وله مافياته الخاصة.
-هل تتوقع الأسوأ ام تتوقع أن يحصل نهضة يوما ما لتفرز الجيد والسيء؟
بصراحة من خلال تجربتي في السنوات الأخيرة فقد ازددت تشاؤمًا ولن يكون الوضع أفضل ممّا نحن عليه الآن ولن يكون أي جديد تحت الشمس غير الأسوأ. وهذا ليس له علاقة بالأمل والتفاؤل واليأس وإنما كما أرى الواقع بمنظاري الخاص،
فالبشرية تدمّر نفسها وتتجّه نحو الزوال.