محمد علي شمس الدين: ” أنا لستُ شاعراً أدبياً”

الشاعر الدكتور محمد علي شمس الدين

حاورته ناريمان علوش.

أنا لست شاعرا أدبيا

في زيارة خاطفة نحو الشمس كان للشعر سطوة الضوء على جبين المدى وزهوة الحنين على خد الندى. في حضرة قصائده يثمل الوجدان من طيب خواطره وألق حروفه فتحلّق معه الى أبعد من الأزمنة وأعمق من قلب الحياة.
أكثر ما يخافه هو القصيدة التي كلّما سافرت مع الزمن نفضت عنها عبء الإلحاح وارتدت بُعد الإيحاء بالصمت, فكان لسفرنا معه معاجم من الإيحاءات الكامنة في روح المعنى.

دار ناريمان للنشر التقت الشاعر د.محمد علي شمس الدين فور عودته من مهرجان قرطاج فكان معه هذا الحوار:
– بداية دكتور بما أنك عائد للتوّ من مهرجان قرطاج حيثُ كنت ضيف شرف.. أخبرنا عن هذا المهرجان وعن الرسالة التي حملتها من لبنان الى تونس؟

بعد التوحش والخراب فيما سُمّي بالربيع العربي، ارتأت تونس أن تُنشىء مدينة ثقافية.. مدينة شاسعة فيها مسارح، قاعات، مكتبات وصالات للنشاطات الثقافية المتنوعة من موسيقى، مسرح، شعر ورسم… فافتُتحت المدينة الثقافية هذا العام بما سُمّي “أيام قرطاج الشعرية”.. قرطاج ابنة صور، حيث تقول الاسطورة أن أليسار ذهبت من شواطىء صور الفينيقية وعمّرت قرطاج في تونس، لذلك قرروا أن يربطوا بين القديم والحديث، حيث دُعيت للمشاركة في أمسية الختام والتي كانت الليلة الأخيرة من ليالي الشعر العربي والتونسي والتي سميت ” ليلة أليسار”، حيث حلّق طائرُ الشعر في سماءٍ خضراء وشاسعة، وحيث كان ثمة مسرح أوسع من جدرانه، وجمهور يفيض عن ذاك المسرح.. وقد قلتُ بداية قصيدة: “كيف أصطاد عصفوراً أو الحرّية التي أهديتها الى الذين يموتون كي تعيش فلسطين، لأنه في تلك الليلة-31-3-2018- وفي يوم الأرض، كان ثمة ستة عشر فلسطينيا يموتون في يوم الأرض بالرصاص الإسرائيلي..وبعدها قرأت “دموع الحلّاج”التي كتبتها بين عامي 2000 و 2006 أي بين موعدي التحرير الكبيرين، وهي تصويرٌ لأحوالي، حيث أعتبر نفسي حلّاجا معاصرا ولتحرير الأرض ووصف العرب والمسلمين على امتداد الرّقعة العربية.. ومن ثمّ اختتمت الأمسية بقصيدة صغيرة هي القبلة.

– كيف تصف الدورة الدموية للشعر في العالم العربي؟

مخرّبة على العموم..ولكن تحاول ان تستعيد شيئا من عافيتها، لأن الواقع العربي والإسلامي الآن هو واقع وحشي ومخرّب.. ومعه الفنون في المنحدر الآخر التي بدأت تميل أيضا الى نُفاياتها.. اسمعي ما يُكتب من شعر وأغاني وموسيقى، وانظري الى نبض الشارع وما تبثّه وسائل التواصل الإجتماعي… كلّها مجرّد فقاعات.. الغالب عليها ثقافة الفقاعة… إنّما وكلّما عصفت الريحُ بالشجرة، تتشبّث بأصولها وجذورها.. فقد لاحظت هنا وفي تونس والعالم العربي أجمع أن الشّعر يُحاول أن يعود إلى شيء من أصوله المنسيّة ويسترد أنفاسه في فوضى الحداثة.. يحاول العودة الى الوزن والتراث….
يُحاول الشعر أن يسترد أنفاسه من خلال العودة الى أصول منسيّة في فوضى الحداثة وما بعد الحداثة.. وفي ذاك الاضطراب في العصب الشعري الذي عمَّ الأوساط الشعرية لفترة طويلة.. بكل الأحوال إنّ شعرنا العربي الحديث والمعاصر هو شعر متروك من غير نظر نقدي.. هو شعر يطير بجناحيه فقط دون أن يحضنه هواء فكري نقدي نقي.. لدينا الكثير من التجارب في الحداثة الأولى والحداثة الثانية وما بعد الروّاد.. ولدينا الكثير من الشعراء والقصائد التي تستحق أن يُنظر إليها نظرة نقدية ثاقبة ولكنها متروكة بلا نظر نقدي. وضعف النّقد العربي هو جزء من ضعف العقل فضلاً عن الذائقة الفنّية، لأن النّقد لا يمتّ بِصلة إلى العقل بمقدار ما يتصل بالشعر.. النقد هو عمارة نقدية، عقلية فنّية.

– برأيك هل هذه المهرجانات تسدّ رمق الفجوات الثقافية في المجتمعات؟

لا ولكنها مناسبات للتواصل الإبداعي وخاصة إذا كان يرافقها حلقات نقدية أو دراسات.. وهي أيضا تذكير للناس بأن الشّعر في العربية هو فنّها الأول، لأن الشعر يتعرّض لهجمات كثيرة منها الإدّعاء أن الرواية هي ديوان العرب وأنّها تحلِ مكان الشعر وهي ادّعاءات واهمة. صحيح أنّ الرواية لها سوقها الرائدة وهي فن راقٍ وجميل وصعب ولكن الشعر هو الشّعر والرواية هي الرواية.. فالشّعر هو التقاط بروق الكون من خلال اللغة والصورة والمجاز.. هو خطف المعنى والحكمة.. أمّا الرواية فهي ذاك الإسهاب والتفصيل والسرد النثري، واذا كانت الحقيقة هي الطريقة، فإن الطريقة الشعرية تختلف عن الطريقة الروائية كنوع أدبي، ثمّ إنّ الشعرية هي الرتبة العليا التي تصبو اليها جميع الفنون من موسيقى الى رواية الى
مسرح… حتى الناقد يصبو الى تلك الشعرية، فهي الرتبة العالية ولا يصحّ تشبيهها بسواها كنوع..تتسرّب الشعرية في الموسيقى والرواية والسينما.. حتى في سلوكنا اليومي.. إذن يُقال عن الرواية أنها ديوان العرب هو مجرّد وهم..

– ربّما لأنّها الأكثر مبيعاً؟

أنا أرى أن العالم العربي لا يقرأ شيئا لا الرواية ولا الشعر.. أما السبب في أنّ الرواية هي الأكثر مبيعا في العالم فهو لأنها تغذّي فنّا آخر هو الفنّ السابع أي فن السينما ولكن حتى السينما مع الرواية تصبو الى الشعرية أما الاستهلاك فهو أمر آخر.

– برأيك هل ما يقدم اليوم في الأمسيات الشعرية يُحيي الشعر أم يقتله؟

بين أن يحييه ويقتله… لأنّ ما ألاحظه هو كثرة الأمسيات الشعرية وكثرة الكلام المجاني والاعتباطي الذي لا يحمل من الشعر شيئا بل هو إساءة للشعر، لأن القضية أصبحت مجرّد ملء عشوائي للفراغ العربي والعالمي.. مثال على ذلك كثرة النوادي الليلية والأسماء التي تتوالى بسرعة نهرية ما يجعلني أتسائل، ألهذا الحدّ هناك كثرة من الشعر والشعراء!؟ لا بالتأكيد فالشعر من أصعب الفنون ولا يُمكن لإله الشعر أن يُغدِق هذا الكم الفائض منه.
ما السبيل برأيك للحد من هذه الظاهرة وهذه العشوائية من الأمسيات التي لا تقدم سوى الكلام الهابط والإستهلاكي؟
الحدّ برأيي لا يمكن أن يكون عن سابق تخطيط فالأمور تأخذ مجراها كما هي ولكن هذا لا يضيف للشعر ولا للشعرية، فما يضيف لهما هو قصيدة ابداعية من شاعر وديوان حقيقي يلقى الصدى.. ديوان مبتكر.. أنا ألاحظ أن المراحل الشعرية العربية مثلا أو العالمية غالبا ما كان الشاعر فيها مقرونا باسم ديوانه الأساسي، حتى أن الشاعر يُعرف بديوانه.. فحين أذكر بودلير مثلا، أذكر أزهار الشر.. حين أذكر رامبو أذكر المركب السكران، وحين أذكر إيليوت أذكر الأرض اليباب.. والت وايتمان( أوراق العشب)، السّياب( أنشودة المطر)، صلاح عبد الصبور(الناس في بلادي).. حجازي( مدينة بلا قلب).. أدونيس( أغاني مهيار).. محمد علي شمس الدين( قصائد مهرّبة الى حبيبتي آسيا)..
دائما الشاعر المهم مقترن بديوان أساسي، أما الآن فمن مدّة طويلة لم تظهر دوواين مهمة مقترنة بأسماء مهمة، فهذا ما يجدد الشعر وليس كثرة الندوات والأمسيات التي أعتبر أنها ندوات اجتماعية للسمر والعلاقات الاجتماعية أكثر ممّا هي أمسيات شعرية .
هل من الممكن أن تشارك في أمسية شعرية داخل مطعم؟
كان لي مشاركة واحدة فقط بالرغم من أني أدعى يوميا إلى مثل هذه المشاركات وقد كانت في منتدى ليل وحكي لكنها كانت أمسية راقية ومنظّمة وهو مكان من أجل الشعر فقط وليس من أجل شيء آخر.

– هل برأيك المجتمع الثقافي الغربي أصيب بنفس الجرثومة التي أصيبت فيها مجتمعاتنا؟

في المجتمعات الغربية يوجد مقاهٍ ثقافية بدأت منذ عهد جان بول سارتر الذي كان يجلس مع سيمون دي بوفوار في مقهى ثقافي في باريس بحضور نخبة من الناس الذين يستمعون اليهم. أما في مجتماعاتنا فكانت هذه المقاهي موجودة خلال فترة الثمانينات في بيروت ولكن فيما بعد تحوّلت إلى تجمّعات للأصدقاء ليست الثقافة هي الهمّ الأساسي أو الحوار الفني الذي قد يمر مرورا عابرا بين الأصدقاء بهدف التسلية او تمضية الوقت أكثر مما هو طرح اشكاليات ثقافية ومسائل فنية فضلا عن النميمة البيضاء التي لا بدّ منها في هذه التجمعات.

– بموضوع الترجمة برأيك هل تحتاج إلى ترجمة روح الشاعر أيضاً، أم لخلق روح جديدة ؟

المسألة حقيقية ومعقدة، لقد قال الجاحظ في البيان والتبيين إن الشعر لا يترجم إلى لغة أخرى ولكنه استدرك وقال أنه لا يترجم من العربية إلى لغة أخرى إلا بشعر يوازيه ، هذا شرط ما زال سائداً حتى الآن، بمعنى أن الشعر هو روح اللغة، واللغة هي إيقاع وموسيقى وتاريخ وخصوصية والشعر لا يترجم بهذا المعنى، لذا قال الفرنسيون نفس المعنى، أن تترجم هو أن تخون، هنا أتكلم دائماً عن الشعر دون غيره باعتقادي هو لا يترجم، ولا أعني باقي العلوم لقد ترجم العرب كل العلوم من اليونانية ولكنهم لم يترجموا الشعرلاعتقادهم انه فن لا يترجم.
أما اليوم في ظل هذه العولمة وتداخل الفنون والحياة واللغات الترجمة ضرورية حتى للشعر، وهناك نظرتان واحدة تقول أن الترجمة يجب أن تكون أمينة للأصل وهذه الأمانة لا يمكن أن تقدم لي شعراً ، وأنا شخصياً لا أتبناها ، وأنا قرأت إحدى الترجمات لأشعار حافظ الشيرازي المكتوبة بالفارسية فأصابني إحساس بالنفور من حافظ الشيرازي المترجم بترجمة أمينة للأصل ولكنها أتت بمسخٍ من الترجمة.
لكن تبعاً لنظرتي وما طبقته في ديواني شيرازيات أنا قلت أني لا أترجم ولكني أكتب نصاً على نص، أي أنني أقرأ حافظ الشيرازي وأستوعب روحه الشعرية وأغمض عيني وأنسى وأكتب قصيدة تشبهني بمقدار ما تحافظ على روح حافظ الشيرازي وهذا ما حصل، حتى أن الكثيرين والضالعين في اللغتين الفارسية والعربية قالوا لي بعد سماع أشعاري في شيرازيات أن شعرك هذا أجمل من شعر حافظ في الفارسية.
يعني تصبح الترجمة ابتكاراً جديداً للشعر، بينما أنت في الترجمة لا تعرفين الشاعر الأساسي بل أنت تعرفين النص المترجم أي الشاعر الثاني . من هنا تصبح الترجمة خيانة للنص الأول. باختصار يمكن القول أن الترجمة هي خيانة ضرورية شعرية للنص المترجم.

– نسمع كثيراً عن ورشات وأكاديميات للشعر هل برأيك الشعر يدرّس ويلقن بحيث يمكن لأي شخص يخضع لورشة ضمن تلك الأكاديميات أن يصبح شاعراً ؟؟

يوجد هنا ورشات لتعليم فن كتابة الرواية وأيضاً ورشات لتعليم فن كتابة الشعر، لنأخذ مثلا الجامعة يمكن أن ينشأ فيها فرع لتقنيات الكتابة الشعرية ، ويمكن أن يتم تقديم بعض التقنيات وتحليلها، لكن الشعر روح شعرية، والتكوين الشعري للكائن الشعري يختلف عن سواه هذا على ما اتعقد وأرجح، أن التكوين يأتي من خلال ما يمكن أن نسميه جينات شعرية ، والجينات الشعرية تولد مع الإنسان ولا يتم اكتسابها من لا شيء، فالأكاديميات تعلم أساليب الشعر أو بعض التقنيات المدروسة ولكنها لا تخلق شاعراً على الإطلاق.
وجود مثل هذه الورشات هي ليست مضرة لكنها لا تصنع شعراً ، كما قال البعض أن الشعر يأتي بمرسوم إلهي.
لكن أي شاعر مهما كانت موهبته الفطرية يحتاج إلى الكثير الكثير من الثقافة.

– ألا تعتقد أن هذا الإيقاع السريع للحياة اليوم مع الثورة التكنولوجية قد ظلمت جيل اليوم ؟

لا أبداً لم تظلم الجيل ولكن الجيل أصبح مطالباً أكثر فأكثر أن يجري بسرعة مع الحياة كي لا تسبقه، بحيث أصبح الكائن الشعري اليوم بحاجة إلى الأجنحة الإضافية، كي يحيط بالتراث والمعاصرة، لأن كل شاعر جديد هو مطالب أن يفتح ابواباً أكثر، وأن يفتش عن كنوز أكثر، لأن الشاعر هو كائن داخل هذا الوجود وخارجه في وقت واحد، لأن ما يصنع الشعر هو الخيال، ومن هنا الشاعر باللغة هو صورة الله في الإنسان وأنه يشبهه في الخلق، هذا ما قاله وأثاره في الفتوحات المكية وترجمان الأشواق محي الدين ابن عربي الذي كان جريئاً لدرجة أن يناطح السلفيين والفقهاء، كما سأل نفسه سؤالاً كبيراً لماذا الشاعر هو صورة الإله في الإنسان أي أنه خالق آخر وأجاب أي أنه يستعمل الخيال.فالشعر ليس نسخاً للواقع ولا تصويراً مسطحاً للأشياء إنما هو خلق جديد بل هو احتمالات اللغة.

– إذا امتلك الشاعر الدكتور محمد علي شمس الدين عصا زمنية ما الذي تسترجعه من الذاكرة وما الذي تأخذه من الحاضر؟؟

حلو الإفتراض هناك شخصيات في التاريخ أحبها وأتمنى أن أكون قد عشت في زمانها أو كنت واحداً منها مثلاً بالطبع أنا لا اريد أن اكون سوى نفسي ولكن مثلاً يخلبني عصر هارون الرشيد وما احتواه من أخبار تكاد تلامس السحر، أو مثلاً أتمنى أن أكون قبساً من نور النبي محمد العظيم لا سيما أن اسمي محمد وأمي آمنة أيضاً. أو إن شئت أكثر ربما أرغب في أن اكون شيئاً ما من يوسف.وهناك أسماء كثيرة في التاريخ أن تحل فيَّ روحهم.

– كيف يقرأ الشاعر الدكتور محمد علي شمس الدين نفسه بين البدايات الشعرية واليوم ؟

هناك أشياء استمرت وأشياء تجددت، ما استمر فيَّ هو الخوف أو القلق وأكثر ما يخيفني هي القصيدة. ففي البدايات كنت اعتقد أن الشعر هو اجتياح العالم بالكلمات أو بقوة معينة أو قوة الإلحاح، ولكن المنعطف الأساسي الذي حدث في حياتي الشعرية ولغتي هو عندما تواصلت مع أحوال الصوفية، بحيث صرت أميل نحو الإيحاء بالصمت أو بالإشارة وقلت مما قلته:
كان يلزمني كي أفسر هذا العذاب
قليلٌ من الشعر
لكنني لم أكن شاعراً
ما الذي كان يفعله الشعراء قبلي
كي يصلوا
إنها حالتي أرى
لا أقول ..
الصراع بين أن أقول أو لا أقول هو صيرورتي، لذلك أنا أميل للإكتفاء بأقل الكلمات بأوسع المعاني، وهذا هو التطور الذي حصل في شعري. أنا أقول عن نفسي أنني لستُ شاعراً أدبياً ولكنني شاعرٌ معرفي بمعناها الإشراقي . وأنا في تعريفي للشعر وهو تعريف مبتكر قلت أن الشعر هو جرح من أقدم جروح الغيب.

– ما هي وصيّتك لهذه الأجيال الشعرية الجديدة؟

الشاعر قبل كل شيء هو تواصل.. والشعر هو سفر عبر مراحل ، وكل شاعر كبير أو جوهري هو تحقُّق لمن سبقوه، من امرىء القيس إلى المتنبي الى أحمد شوقي وصولا الى شعراء الحداثة.. الشعر هو استئناف للشعر، وقضية الأجيال الشعرية قضية فيها من الصّحة ومن الحقب الشعرية ما فيها من الإستمرار أيضا، أي أن شاعر هذه اللحظة أفترض أنه ينطوي على جميع السلالات الشعرية، على آبائه وأجداده وسلالات أخرى من لغات أخرى ، هذا التواصل والاستمرار قد يبدو أحيانا أنّه على صورة قطيعة وهذا ما ادّعاه أهل الحداثة الأولى في الغرب.
في الشعر أو المسرح، اوجين ليونيسكو في المسرح ، أنطونين ارتو في الشعر، فكان عندهم نزق فيما سبقهم وحتى أن ماكايوفسكي المستقبلي الروسي حين سُئل عن الرومانسية التي سبقته قال: ” لست بحاجة إلى ساق ميتة في جسدي الحي”. أوجين ليونيسكو المسرحي السريالي الرائد كان معبئا ضد فيكتور هيغو باعتباره الرمز الأكبر للكلاسيكية التي سبقت الرومانسية وبالطبع سبقت السريالية وسائر مدارس الحداثة، فكتب نصوصا بعنوان هيغوليات نسبة لفيكتور هيغو والتي هي هجاءً له، ولكن بعد ٥ او ١٠ سنوات أقامت فرنسا بكاملها سنةً لفكتور هيغو ظنّ الحداثيون الغربيون أن الحداثة هي قتل للأجداد والأسلاف وقطيعة لهم، ما نقضه البوست موديرنيست الما بعد الحداثيون عبر مناظريهم كجاك دريدا الذين قالوا كلا، لا شيء يموت إنما يتحول ويتغير وأن تكون حديثا لا يعني أن تقتل آباءك وأجدادك بل أن تعيد موضوعاتهم بلحظتك الحاضرة ، أن تُعيد اكتشاف الأشياء لأن المعنى كالسمكة يفرّ فرارا دائما في مياه كالبحر.. هذا هو المعنى، اذن الشعر هو تجديد المعنى في الصيغة، ولا يقولنّ أحد أن ما مضى قد مضى فالأشياء تستعيد حياتها واللغة ذاتها ككائن حي تتجدد مع كل شاعر جديد ، نفس المفردة يكون لها حياة أخرى مع شاعر آخر..

المدير العام
ناريمان علوش
799 944-03/ 799 344-70

cid:image002.jpg@01D4EA36.EE4FAE80